علاقة الرابية وبنشعي لا حاجة لتقدير حالتها ووصفها اليوم هي التي لم تعد اصلاً موجودة الا في خانة الخلاف السياسي الذي وقع بين الحليفين قبل اكثر من سنة عندما وافق فرنجية على «عرض» مغر من سعد الحريري بالترشح للانتخابات الرئاسية وتعمق ووصل الى حد القطيعة منذ اعلن سليمان فرنجية استمراره وتمسكه بالترشح للانتخابات الرئاسية كحق طبيعي له .
مرت جلسة الانتخابات واصبح ميشال عون رئيساً للجمهورية بحصوله على ثلاثة وثمانين صوتاً وبقي الوضع على حاله بين الحليفين السابقين المرشحين من الخط السياسي نفسه للانتخابات الرئاسية لا بل يزداد الشرخ والعقد تأزماً لم يشارك سليمان فرنجية في الاستشارات النيابية في قصر بعبدا بالاساس لا يبدو انه يحلو له ان يزور القصر الذي كاد يصبح رئيسه لولا تعنت ميشال عون وعناده الذي اوصله مع تحالفات غريبة عجيبة مع القوات اللبنانية ومن ثم ظروف اقتضت تحولاً حريرياً لمصلحة عون، ومع ان رئيس المردة يوحي او يردد لسائليه انه قد يزور بعبدا اذا دعاه رئيس الجمهورية لزيارته .
رغم ذلك فان فرنجية الذي صعد مواقفه وفتح جبهة قبل الانتخابات الرئاسية يبدو اليوم مستسلماً للواقع السياسي الحالي بحسب مصادر مسيحية، ولا يبدو انه سيكون مشاكساً للعهد بل سيعطيه فسحة للعمل ولا يقف حجر عثرة لانطلاقته وهو الذي أوفد نوابه «الدويهي وكرم « في يوم الاستشارات في بعبدا لتسمية الرئيس الحريري، فزيارة «فخامة الرئيس « في قصر بعبدا كما يقول فرنجية وهذا مرتبطة باتصال هاتفي من قصر بعبدا من شأنه ان يطوي الصفحة نهائياً فلا ضغينة ولا خلاف في الشخصي مع الرئيس ميشال عون وانما اختلاف في السياسة حتم الافتراق عن الحليف الاستراتيجي المشترك مع حزب الله .
لم يعلن فرنجية المقاطعة او التمنع عن المشاركة في حكومة سعد الحريري، فرئيس تيار المستقبل لم يخطىء بحقه لكن مقتضيات المرحلة وحجم الضغوط حتمت تكويعة مماثلة للحريري، منذ البداية كان قرار زغرتا بعدم الاعتكاف، يشارك فرنجية في الحكومة التي يفاوض عنه فيها رئيس مجلس النواب لانتزاع حقيبة خدماتية اساسية قد تكون الطاقة او الاشغال فيما يروَج المغرضون ان الرابية او الفريق العوني المفاوض في الحكومة يعمل على محاصرة المردة وتقليص مشاركتها بتسويق عودة وزير الثقافة روني عريجي الى وزارة الثقافة خصوصاً وان الوزير عريجي كان اول المهنئين على مواقع التواصل الاجتماعي بفتح صفحة جديدة ومختلفة بعد وصول عون الى الرئاسة.
يراقب زعيم زغرتا بعد هدوء المعركة الرئاسية عن بعد مسار العلاقة الجديدة «بلا ضوابط » بين حليفه القديم في الرابية ومعراب، ومفاوضات التشكيلة الحكومية ودفاع الفريق العوني عن حصص القوات وكأنها حصصه الخاصة خصوصاً ما يتردد ان التيار الوطني الحر كان يعوَل على اسناد حقيبة سيادية لمعراب لم تحالفه بها الظروف والفيتوات على اسناد حقيبة الدفاع او الخارجية لها اذ لا يمكن ان يقبل حزب الله بسياسة دفاعية للمؤسسة العسكرية لا تحمي ظهر المقاومة، فيما قد يضرب اي موقف ديبلوماسي او صادر عن الخارحية في حال ترؤسها من قبل القوات في صميم المقاومة، وبالمؤكد لن يوافق بري ومعه حزب الله كما تقول المصادر المسيحية بعزل فرنجية خصوصاً وان الاخير لم يخطىء ولم يعرقل الانتخابات الرئاسية، حيث كان لديه فرصة حقيقية للوصول الى الرئاسة ورغم ذلك بقي «حليفاً صادقاً ولم يشكك في نيات 8 آذار معه رغم ترشحه من قبل زعيم المستقبل، لاسباب عديدة منها الاستراتيجية والجوهرية والتي تتعلق بارتباط فرنجية التاريخي بهذا المحور السياسي المنتمي الى المقاومة وسوريا، ومنها الاسباب التكتيكية المتعلقة بموقف فرنجية وعلاقته بحزب الله التي لا يمكن ان يشكل الموضوع الرئاسي تهديداً او نسفاً لاصولها .
تبدلات او تحولات جذرية كثيرة حصلت في العلاقة بين الرابية ومعراب وبين بنشعي والرابية وبين بنشعي وحارة حريك، موقف حزب الله في المعركة الرئاسية يمكن فهمه واستيعابه وتأكيد الالتزام الاخلاقي بين الحزب وعون لم يتم هضمه اولاً بسهولة من قبل الحليف في بنشعي الا ان هذا الموقف من قبل حزب الله تجاه الحليف في الرابية وفق المصادر نفسها، لا يمكن ان يطيح بعلاقة بنشعي بحارة حريك والتي تمتد الى سنوات طويلة حتى ما قبل تفاهم مار مخايل بكثير واتفاق حزب الله وعون ، بالنسبة الى المردة ثمة خيط رفيع ولكنه قوي يجمع الحلف مع حارة حريك ويمكن فهم ما يريده حزب الله من زاوية اخرى مغايرة، فمع تمسك الحزب بمعركة ميشال عون الرئاسية الا ان حزب الله لم يطلب يوماً من فرنجية الانسحاب منها.
ثمة من يرى ويبرر ان حزب الله وجد نفسه بعد فترة ملزماً باتخاذ موقف وتصويب البوصلة بعد الاقاويل والتفسيرات التي كادت تهدد وحدة فريق 8آذار، وبالتأكيد فان زعيم المردة كما تقول المصادر المسيحية لم يتفاجأ يوماً بما صدر عن حزب الله حيث سبق لحزب الله ان اطلعه على ما يريد ولنظرته للانتخابات الرئاسية ومسارها مع شرح وافر للعلاقة الاستراتيجية وتقدير لموضوعية ومصداقية بنشعي. وبانتظار اي خطوة مفاجئة يمكن ان تحصل في اي وقت وقد تحصل قريباً او تتأخر كثيراً من زغرتا الى قصر بعبدا، يمكن القول ان فرنجية كما تقول اوساط مطلعة لم يفتح على حسابه وليس في وارد الابتعاد عن الخط السياسي الذي هو فيه خصوصاً وان علاقته بعين التينة التي رشحته للرئاسة على افضل ما يرام، وبالتالي فان الرهان على الابتعاد عن حزب الله او 8 آذار على الرغم من الاختلاف في السياسة ليس في محله، فمن يراهن على ابتعاد فرنجية عن سوريا والمقاومة هو حتماً سيخسر الرهان لان زعيم المردة لم يترك حزب الله عندما كان رأسه على المقصلة، وليس في وارد ان يتخلى عن المقاومة او الخط السياسي الذي يسير ضمنه منذ سنوات او يفعل ذلك اليوم .
فرنجية في بعبدا؟ المشهد قد يبدو معقداً ومستهجناً حالياً كما تقول اوساط مطلعة، فالحليفان السابقان خاضا معركة إلغاء مسيحية في الملف الرئاسي، وبالتالي فان ثنائية معراب والرابية المسيحية التي تخطط للمرحلة المقبلة قد لا تتسع للزعيم الزغرتاوي خصوصاً ان نجاح الفريق العوني في ايصال القوات لانتزاع حصة حكومية وازنة في حكومة العهد الاولى قد يستتبع استمرار التعاون السياسي في ملفات اخرى في الملفات والاستحقاقات المقبلة، والساحة المسيحية لا تتسع لكثيرين. يبقى ان العهد الجديد سيكون امام استحقاق انجاح انفتاحه ومصالحته مع الجميع وطي صفحة الماضي، وفي هذا الصدد تتوقف الاوساط عن اسباب عدم زيارة البطريرك الماروني الى قصر بعبدا وشبه المقاطعة للقصر خصوصاً وان البطريرك الراعي أوفد مطارنة لتهنئة الرئيس ميشال عون وكان يفترض في الاصول ان يزور قصر بعبدا الذي شهد «معجزة» انتخاب رئيس للجمهورية بعد سنتين وثمانية اشهر من الفراغ الرئاسي.