IMLebanon

فرنجيه لم يقع في «فخ» استدراجه لـ «اخراجه»

لا يخفى على أحد أنّ العلاقة بين رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية ليست في أفضل أحوالها.

يذكر المتابعون المؤتمر الصحافي الشهير للنائب فرنجية الذي «فضح المستور». يومها بدا أنّ «الجرّة انكسرت» إلى حدّ كبير بين الرجلين، باعتبار أنّ الانتقادات التي وجّهها فرنجية لعون لم تبدُ «من حليفٍ إلى حليفٍ»، ولو كانت كذلك لكان بالإمكان حصرها في الغرف الضيّقة.

كثيرة هي «الامتعاضات» التي عبّر عنها «البيك الزغرتاوي» في مؤتمره الصحافي، منها الشكليّ، على غرار غياب التنسيق المفترض بين رفاق الصفّ الواحد، ومنها العمليّ، على غرار الموقف من التقسيم، ومنها الاستراتيجيّ، على غرار الموقف من التمديد للقيادات الأمنية، الذي لم يمانعه فرنجية إذا كان «البديل» هو الفراغ.

لا تعبّر هذه «الامتعاضات» سوى عن نصف الكوب، تقول مصادر سياسية مطلعة. لم تكن المشكلة لتخرج إلى الإعلام بهذا الشكل لو لم يكن هناك ما هو أكبر من ذلك، توضح هذه المصادر، متحدّثة عن «كيمياءٍ مفقودةٍ» بشكلٍ تام بين التيار الزغرتاوي ورئيس «التيار الوطني الحر» الجديد الوزير جبران باسيل، الذي كاد فرنجية يشبّهه في مؤتمره الصحافي بـ»الخشبة» حين قال بأنه مجبر على التعاطي مع من يكلفه العماد عون «حتى ولو كان خشبة».

برأي المصادر، فإنّ كلّ «التعقيبات» على المؤتمر الصحافي لم تعدّل في هذا الاستنتاج، تمامًا كما لم تغيّره تسريبات أوساط «المردة»، بعيد تنصيب باسيل رئيسًا لـ«التيار»، بأنّ العلاقة مع «الوطني الحر» تقوم على المبادئ والثوابت لا على الأشخاص، وبأنّ النائب فرنجية مستعدّ للتعامل والتعاون مع أيّ شخصٍ يترأس «التيار»، طالما بقي على هذه المبادئ والثوابت. في الواقع، تقول المصادر، أنّ عدم حصول أيّ لقاءٍ علني بين «الجنرال» و»البيك» في الآونة الأخيرة، وانكفاء فرنجية عن مجرّد «تهنئة» باسيل بمنصبه الجديد، كان كافياً للتأكيد على أنّ وراء الأكمة ما وراءها.

لكن، رغم كلّ هذه الخلافات التي يحلو لفرنجية وضعها في إطار «التمايز» لا أكثر ولا أقلّ، فإنّه لا يخفى على أحد أيضًا بأنّ «البيك» استمرّ في دعمه المُطلَق لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» في معركته الرئاسية، تجزم المصادر، لافتة إلى أنّه حرص على إفهام كلّ من يعنيهم الأمر بأنّ اسمه ليس مطروحًا للنقاش حتى طالما أنّ «الجنرال» لا يزال متمسّكاً بترشيحه، على أن يكون «لكلّ حادثٍ حديث» في حال قرّر من تلقاء نفسه سحب ترشيحه.

من هنا، تنطلق المصادر في تفسير التصريح الأخير «المقتضب» لفرنجية خلال حفل تخريج الدفعة الاولى من اكاديمية «المرده» للإعلام، لجهة قوله أنّ «تمسك رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون بالرئاسة لا يزعجنا ابدًا». تؤكد المصادر أنّ هذا التصريح لا يعني أبداً أيّ تراجع من فرنجية عن دعم عون، كما حاول بعض المصطادين بالماء العكر الإيحاء، بل هي تشكّل عملياً رداً على كلّ هؤلاء، بأنّ فرنجية ما يزال داعمًا لعون وسيبقى كذلك طالما أنّ للأخير أملاً بالوصول للرئاسة، ولو لم يتخطّ هذا الأمل الواحد بالمئة، وهو لا يعتبر أنّ هذا الترشيح موجَّهٌ ضدّه من قريبٍ أو من بعيد.

عمومًا، تشدّد المصادر على ضرورة وضع التصريح في سياقه وعدم اجتزائه، فتمامًا كما أنّ عبارة «لا إله» مرتبطة بتتمّتها «إلا الله»، فإنّ تصريح فرنجية لا يكتمل معناه إلا بتتمّته، وفيها أشار فرنجية إلى أنّ «الكلام عن تنازل عون لا يعني ان سليمان فرنجية سيصبح رئيس جمهورية، بل سيقولون اننا نعرقل ونعطل والى ما هنالك». برأي المصادر، فإنّ في هذه العبارة «بيت القصيد»، لأنّ «الرسالة» التي يبعث بها فرنجية لـ«المصطادين» أنفسهم أكثر من واضحة وحاسمة، خصوصًا لجهة ما تختزنه من دعوة لهم لـ«الراحة وعدم القلق».

وتحيل المصادر المهتمّين للعودة لـ«التسريبات» التي كثر تداولها في الآونة الأخيرة، والتي انتشرت بسرعة البرق وكالنار في الهشيم. من هذه «التسريبات» ما قيل عن استعداد قوى الرابع عشر من آذار للسير بترشيح النائب فرنجية للرئاسة في مقابل تنازل العماد عون عن الرئاسة، وما رشح عن «معادلةٍ» جديدة قوامها «سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونهاد المشنوق رئيساً للحكومة». وإذا كانت تصريحاتٌ من هذا القبيل قد نُسِبت إلى «صقور» في المعسكر «الآذاري»، فإنّ المفارقة أنّ الكثير من منظّري قوى الثامن من آذار تبنّوها، بل أضافوا إليها «الملح والبهار»، وبدأوا يروّجون في القاعات المغلقة والمفتوحة على حدّ سواء إلى أنّ سيناريو وصول فرنجية إلى قصر بعبدا بات قاب قوسين أو أدنى.

وقد اعتمد «المسرّبون» على استراتيجية «الإقناع» من خلال القول بأنّ فرنجية رسم لنفسه منذ سنواتٍ خطاً «معتدلاً» بعكس عون، وأنّه «انفتح» على جميع الأفرقاء والعواصم، بدليل أنّه حتى عندما تبنّى مطلب عون استعادة حقوق المسيحيين، حرص على «طمأنة» شركائه في الوطن بالقول أنّه لا يريد أن تأتي هذه الحقوق على حساب حقوق أيّ طائفةٍ أخرى أو مركزٍ محسوبٍ لها، في إشارةٍ واضحة لرئاسة الحكومة، ولكنّهم تجاهلوا أنّ فرنجية لا يزال يمثّل في الوجدان العام صورةً «ملتزمة» أكثر بكثير من «الجنرال» نفسه.

انطلاقاً من هذه المعطيات، تلفت المصادر إلى أنّ فرنجية أراد بتصريحاته الأخيرة القول أنّه غير مقتنعٍ بكلّ هذه الروايات، وأنّه لم ولن يقع بـ«فخّ» استدراجه على طريقة «الوعود الرنّانة» لـ«إخراجه» سواء من الحلف مع عون، بغضّ النظر عن مدى متانته، أو من السباق الرئاسي ككلّ. وتوضح أنّ فرنجية مقتنعٌ بأنّ تسريب مثل هذه السيناريوهات لا ينمّ عن براءة أو عفوية بأيّ شكلٍ من الاشكال، بل هو مدروسٌ ومقصودٌ لغاياتٍ لم تعد «في نفس يعقوب» بل باتت واضحة وضوح الشمس، وتقفز فوق محاولة زرع الشقاق في داخل الفريق الواحد، إلى حدّ قطع طريق بعبدا على عون وفرنجية على حدّ سواء.

وسط ذلك، لا شكّ أنّ فرنجية يدرك أنّ أحداً من هؤلاء المنظّرين لا يستطيع تحديد هوية الرئيس المقبل ولا فرض الشروط عليه، وأنّ لا انتخابات رئاسية حتى جلاء الصورة في سوريا، وبالتالي فإنّ القرار النهائي يبقى خارج الحدود، ووفق الظروف التي تتّجه إليها المنطقة. من هنا، فهو لا شكّ مطمئنّ للمسار العام للأمور، ومطمئنّ إلى أنّ فريقه السياسي يسير بثبات نحو «الانتصار»، الذي لا بدّ أن يُترجَم رئاسيًا، عاجلاً أم آجلاً…