ليس هناك اوضح من كلام رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية برنار جوليه الذي اعلن لدى زيارته لواشنطن منذ فترة قصيرة «وفاة الشرق الاوسط» واستحالة عودة سوريا والعراق الى الحدود التي رسمها اتفاق «سايكس – بيكو»، لصالح قيام كيانات جديدة في المنطقة وفق المخطط الذي رسمه هنري كيسنجر في سبعينات القرن الماضي لتقسيم المنطقة انطلاقاً من لبنان، الا ان العناد المسيحي حال دون ذلك وقد قاتل المسيحيون في لعبة صراع البقاء للحفاظ على وجودهم لا سيما وان لبنان صناعة مارونية بامتياز، وهذا ما دفع القادة المسيحيين الذين تموضعوا آنذاك تحت سقف «الجبهة اللبنانية» ابلاغ المبعوث الاميركي دين براون رفضهم الرحيل والعرض الاميركي بنقل المسيحيين الى الغرب، كون كيسنجر لخص المشكلة في الشرق الاوسط «بمشكلة شعب زائد» وفق الاوساط المواكبة لايقاع الحرائق في المنطقة.
ولعل اللافت في المرحلة الراهنة ان كل الذين قاتلوا وتقاتلوا على الارض اللبنانية في حروب العبث الاهلية يتقاتلون اليوم على الرقعتين العراقية والسورية مع بروز تضاريس تقسيم المنطقة تحت مسمى الفيدراليات حيث تشظى العراق الى 3 دويلات وفق مشروع جو بايدن نائب الرئيس الاميركي الذي قدمه للكونغرس عام 2010 ويقضي بقيام 3 دول في بلاد الرافدين كردية وشيعية وسنية وسط فزر ديمغرافي ممنهج على ارض الواقع، وما يحصل في العراق تتمته في سوريا اثر قيام نظام حكم ذاتي للاكراد في الشمال السوري المتاخم للحدود التركية، وبروز «دولة الخلافة» على يد «داعش» من الرقة السورية الى الموصل في العراق، ناهيك بالساحل العلوي الذي يعتبر خزان الجيش السوري والمعقل الحصين له.
تستضيف الاوساط ان الساحة المحلية المتلقية لن تنجو من شظايا المحيط خصوصاً وان عدد النازحين السوريين اضافة الى اللاجئين الفلسطينيين باتوا يشكلون 60 بالمئة من المقيمين على الارض اللبنانية وان «الحنان الغربي» الملهوف عليهم والذي تجلى في زيارات المسؤولين الغربيين الى مخيمات النزوح ليس سوى اول الغيث في عملية توطينهم في اماكن تواجدهم منعاً لرحيلهم الى الدول الغربية، وان الاهتراء في مؤسسات الدولة وتفريغها امر ممنهج ومدروس في مخطط اميركي خبيث لفرض امر واقع وان زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الاخيرة للفاتيكان للطلب من البابا فرنسيس المساعدة على انجاز الاستحاق الرئاسي عبر اثارة الموضوع مع الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني كون البلد الصغير بات في قلب الهاوية ومهدّد بالاندفاع نحو الفيدرالية او الكونفدرالية لا سيما وان «لقاء معراب» وتبني رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشيح الجنرال ميشال عون وجد فيه فارس سعيد الامين العام لقوى 14 اذار مقدمة لقيام جبهة اسلامية في مواجهة المسيحيين ليس في مكانه الصحيح.
وتقول الاوساط ان خشية سعيد ولو كانت غير منطقية ومن الماضي البعيد، الا ان الوقائع الميدانية تشير الى ذلك واجماع الرئيس سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط على دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية يصب في هذه الخانة في محاولة لنسف مقولة «الرئيس المسيحي القوي» ويبدو ان فرنجية ذاهب الى النهاية في ترشيحه على الرغم من دعم «حزب الله» لترشيح عون، وان كلامه اثر خروجه من على طاولة الحوار معلناً ان «من يملك 70 صوتاً لا ينسحب لمن لديه 40 نائباً» يثبت ذلك ولعل اللافت ان الانفعال الذي احاط هذا الاعلان يؤكد على ان «الجرة انكسرت» نهائياً بينه وبين الجنرال، فهل ينسحب الامر على علاقته «بحزب الله»، ام يحافظ على شعرة معاوية علماً ان جلوسه الى جانب الرئيس فؤاد السنيورة حمل الكثير من الدلالات، وما مصير علاقته مع دمشق والصداقة التاريخية مع الرئيس السوري بشار الاسد، وهل يرمي «مؤتمر جنيف» بظلاله على الساحة المحلية لجهة الحلحلة في الاستحقاق الرئاسي ام سيسيطر الاستحقاق حتى اشعار آخر في انتظار مسار المؤتمر المذكور المرتقب انعقاده بتاريخ اليوم؟