لنضع الجدل حول جنس الملائكة وجنس الاتفاق النووي جانباً، وننظر بموضوعيّة ودقّة إلى الوضع اللبناني من زاوية الفراغ الرئاسي وحجم الدور الإيراني الفعلي في التعطيل والتأجيل والتأخير، فضلاً عن اقتناع مجالس صنع القرارات بتعمّد طهران ربط “الحل الرئاسي” بهدية “الحلّ النووي”.
واحدة بواحدة. حل مقابل اتفاق. فلا إيران جمعية خيرية، ولا لبنان ابن خالتها. الدنيا مصالح. وإذا كانت واشنطن يهمها أمر لبنان والمنطقة، فليبدأ الاتفاق من الخطوة الرئاسية… وللبحث في “الطموح الامبراطوري” صلة.
ومَنْ في المنطقة العربية، أو أوروبا، والمجتمع الدولي والشرعيّة الدوليّة، لا يحفظ عن ظهر قلب حجم الحضور العسكري والسياسي لإيران في المنطقة، وفي لبنان بصورة خاصة ودقيقة؟
استناداً إلى هذه الحقائق يطالب اللبنانيّون القادة الإيرانيّين، وحلفاء إيران في لبنان وعلى رأسهم “حزب الله”، أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم تجاه هذا اللبنان بكل صدق. بل بكل حزم وحسم، وبعيداً من “حفلات” غسل الأيدي من دم الفراغ الرئاسي… والقول تكراراً إن هذا الموضوع يعود إلى اللبنانيّين وحدهم أمر معالجته.
ثمة التباس كبير يتردّد على كل شفة ولسان بالنسبة إلى موضوع الاستحقاق الرئاسي، والعوامل “الحقيقيّة” التي تحول حتى اللحظة دون تمكين اللبنانيّين من انتخاب رئيس للجمهوريّة.
وفي يد طهران وحدها جلاء هذا الالتباس، لا في يد لبنان كدولة ونظام، ولا في يد “حزب الله” كحليف كبير لإيران، ولا في يد الجنرال ميشال عون المتحالف مع حليف طهران.
وليكن في علم مَنْ لا يعلم من قادة إيران أن لبنان كله، بكل فئاته وانتماءاتها، لا بقسم منه، يريد أن يكون على علاقة طيبة، واضحة، مفيدة، متوازنة، متبادلة في المصالح، كريمة في التعامل والأساليب، وتخدم مصالح البلدين.
وبكل استجابة، وصراحة، وقبول من البلدين والشعبين، ومن منطلق احترام استقلال لبنان وسيادته وحريّته وتعدّديته، والثماني عشرة طائفة، لا الاكتفاء بعلاقة مع طائفة واحدة وحزب واحد. ولا من منطلق القوة والقدرة على شلّ لبنان والدولة والمؤسسات.
فهذه الأساليب تضر بإيران ولا تفيدها، مثلما تضرّ بلبنان. أو أكثر وأبعد بكثير.
من هنا، بهذه المفاهيم، بهذا الروح، بهذا الوضوح، تبدأ إيران الجديدة، إيران المنفتحة والمتفهّمة، بكسب مودّة كل الفئات اللبنانية، وعلى الرحب والسعة.
فالاكتفاء بفئة واحدة، مع التقدير للجميع، أو بمرجعيّة واحدة، سيُبقي هذا الالتباس وتلك الريبة كسيف مصلت.
هذه المصارحة، بما تنطوي عليه من حقائق تحظى بموافقة كل مَنْ يريد الخير لإيران ولبنان.