يشير قرار مجلس الوزراء الرقم 84، الموزع نهاية الأسبوع الماضي، إلى أن المجلس قرر في جلسته الوداعية الأخيرة (21/5/2018) الموافقة على تمديد العقد الحالي للبواخر التركية لمدة ثلاث سنوات بسعر 4.95 سنتات للكيلواط / ساعة، «مع قبول إضافة باخرة ثالثة بحد أدنى 200 ميغاواط بدءاً من صيف 2018 على أن تكون مجاناً لأول ثلاثة أشهر».
العبارة الأخيرة كانت خلقت لغطاً لا يزال مستمراً حتى اليوم. فهي تعني عملياً أن عقداً سيوقّع مع الشركة للحصول على الباخرة الثالثة، على أن تكون أول ثلاثة أشهر منه مجاناً. لكن ليس هذا ما اتفق عليه في تلك الجلسة. كان المطلوب من وزير الطاقة سيزار أبي خليل إعلام مجلس الوزراء بنتيجة تفاوضه مع الشركة التركية لتخفيض سعر الطاقة (5.85) بعد إقرار التمديد لها لسنة واحدة في الجلسة التي سبقت. وبالفعل، عاد أبي خليل بالنتيجة: وافقت الشركة على تخفيض السعر إلى 4.95 سنتات، وكذلك على تزويد لبنان بباخرة ثالثة بقدرة 200 ميغاواط مجاناً، بشرط تمديد العقد لثلاث سنوات بدلاً من سنة واحدة، على أن يكون السعر في حال الإبقاء على التمديد لسنة واحدة 5.60 سنتات. لم يكن هنالك مجال للرفض. فمعظم الوزراء افترضوا من خلال النقاشات أن الطاقة المجانية ستسري طيلة فترة العقد، لكن ذلك لم يكن واضحاً، خاصة أن وزير الطاقة أعلن بعد الجلسة ما حرفيته «تمكنا من خفض السعر والحصول على 200 ميغاوات اضافية مجاناً لفصل الصيف».
بعد توزيع القرار الحكومي من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء، كانت المفاجأة. اعتبر وزير الصحة غسان حاصباني في اتصال مع «أم تي في» أن القرار تم تعديله وتمت إطاحة ما تم الاتفاق عليه. أكثر من وزير يؤكد الأمر نفسه. لم يتم التطرق حينها إلى أي عقد مدفوع تكون الأشهر الثلاثة الأولى منه مجانية. ما حكي عن الـ200 ميغاواط كان يتعلق حصراً بالحصول عليها مجاناً.
ذلك استدعى بياناً غير مسبوق من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، جاء فيه أنه «تم إرسال كتاب تصحيح إلى جميع الوزراء لإبلاغهم بفحوى التصحيح المادي في ما يخص البندين 1 و3 من قرار مجلس الوزراء الرقم 84 تاريخ 21-5-2018، وتم استبدال عبارة لمدة ثلاثة أشهر بعبارة لأول ثلاثة أشهر».
حاصباني يقدم كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء يطلب فيه إزالة الالتباسات التي يتضمنها القرار الحكومي الأخير
التوضيح زاد الأمر غموضاً. فهذه العبارة تشير بوضوح إلى أن العبارة التي استبدلت هي «لمدة ثلاثة أشهر»، وقد حل محلها عبارة «لأول ثلاثة أشهر». ولذلك، فقد ظن من حصل على قرار مجلس الوزراء الذي يتضمن العبارة الأخيرة، ربطاً بالتوضيح، أنه حصل على القرار المعدّل، لكن التدقيق مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، إضافة إلى التأكد من أنه لم يصدر سوى قرار واحد، يؤدي إلى خلاصة أن من كتب التوضيح أراد قول عكس ما كتبه، أي استبدال عبارة «لأول ثلاثة أشهر» بعبارة «لثلاثة أشهر»، وهو ما أكد عليه الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أنه سيسعى اليوم إلى إزالة الالتباس المذكور.
إذا كان ذلك صحيحاً، فإن الغموض يكون قد زال عن جزء من الخبر. وبالتالي، فإن الطاقة التي ستحصل عليها الدولة عبر الباخرة الثالثة ستكون مجانية. يبقى التباس يتعلق بالمدة من الضروري توضيحه، فهل هي لمدة ثلاثة أشهر أم مرتبطة بفترة تمديد العقد؟ حتى الآن، فإن تفسير الأمانة العامة لمجلس الوزراء يتطابق مع تفسير وزير الطاقة، لكن وزراء آخرين يؤكدون أن الإشارة إلى الطاقة المجانية تتعلق بكامل مدة العقد.
ولإزالة هذا الالتباس، علمت «الأخبار» أن حاصباني سيرسل في الساعات المقبلة كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يطلب فيه العودة إلى محضر الجلسة لتوضيح أمرين أساسيين وتسجيلهما في المقررات الرسمية. الأول، يتعلق بالتأكيد على مجانية الطاقة من الباخرة الثالثة، بغض النظر عن مدتها، مع التوضيح أن الفترة المجانية ليست جزءاً من عقد مدفوع، أما الأمر الثاني، فهو الإشارة بوضوح إلى أنه في حال فسخ العقد مع الشركة، لن يترتب على الدولة اللبنانية أي تعويضات لها، علماً بأن القرار الحكومي كان قد أشار إلى أن الدولة يمكن أن تفسخ العقد بعد سنتين على انقضائه، على أن تقوم بإعلام الشركة بذلك قبل ستة أشهر.
بالعودة إلى بيان الأمانة العامة، فهو إذ أشار إلى العنوان الذي نشرته «أم تي في» («فضيحة جديدة… وهكذا تم تغيير قرار مجلس الوزراء بخصوص استئجار بواخر الطاقة») يفتقد الدقة، فقد أضافت إلى توضيحها وصفها نائب رئيس الحكومة بأنه كان «حاضراً غائباً عمّا اتخذه المجلس من قرارات أو يريد تجاهل ما اتخذه المجلس من قرارات لا تتناسب مع رؤيته السياسية»، وهي لغة غير مألوفة في البيانات الرسمية الصادرة عن مؤسسة رسمية كرئاسة مجلس الوزراء، فضلاً عن تخاطب رئاسة الحكومة مع وزير في القوات اللبنانية.