لم تكن العلاقة مثالية يوما بين «التيار الوطني الحر» و «الجماعة الاسلامية»، ويكاد المتابعون لا يذكرون تقاربا بين الجانبين منذ تشكيل التيار إلى مرحلة قريبة. حتى ان الفترة القصيرة العام 2005 التي جمعت الجانبين سياسيا في المحور الواحد، مع عودة الجنرال ميشال عون الى البلاد وخروج القوات السورية وتشكل تيار معارض لـ «حزب الله» في لبنان، لم يستثمرها الطرفان.
اليوم، تبدو العلاقة بين الجانبين مرشحة للتقدم وتحقيق خرق، وان كان متواضعاً، بسبب انفتاح التيارين على بعضهما البعض، في الوقت الذي يسود سوء فهم كبير لدى قواعد الطرفين حول أهداف وتوجه الطرف الآخر في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة.
تربط شرائح «التيار»، من ناحيتها، «الجماعة» بالتيارات المتطرفة على الساحة السنية. وفي المقابل، ثمة انتقادات كبيرة من قبل شرائح «الجماعة» للتموضع السياسي لـ «التيار الحر»، خاصة علاقته الوطيدة بـ «حزب الله» وتقييمه بالنسبة الى الحرب في سوريا.
كانت لافتة للنظر الزيارة التي قام بها النائب آلان عون الى مقر «الجماعة» في عائشة بكار، في إطار «لقاء حواري» و «تثقيف سياسي» مع كوادر «الجماعة» التي وجهت الدعوة اليه، قبل ان تقوم بتكريمه في ختام اللقاء عبر درع «صداقة وتعاون». وهي المرة الاولى التي تقوم فيها «الجماعة» بتكريم قيادي في التيار، وإن جاء ذلك في اطار لقاءات حوارية شرعت فيها «الجماعة» منذ ستة أشهر، عبر برنامج داخلي للانفتاح على القوى السياسية، خاصة تلك التي على خصام أو تمايز أو قطيعة في الموقف السياسي عن «الجماعة»، حسب المسؤول السياسي لبيروت في «الجماعة الإسلامية» عمر المصري.
قد يربط البعض بين الحوار المستجد بين «التيار الحر» و «الجماعة» وموسم الحوارات القائم في البلاد اليوم، في ظل الحوار القائم بين «حزب الله» و «المستقبل» وذلك المنتظر بين ميشال عون وسمير جعجع. لكن الطرفين ينفيان هذا الأمر، في ظل حاجة متبادلة لفتح قنوات التواصل وفهم الآخر، اختير لها عن التيار آلان عون «الشخصية القريبة للقلب والتي كان الحوار معها جيدا جدا، مثلما كان منتجا»، حسب المصري.
طرح الجانبان هواجسهما بصراحة شديدة، وتناقشا في القضايا الخلافية كافة. وعُلم ان عون اعتبر في اللقاء أن الإعلام يقدم صورة مشوهة لـ «الجماعة»، وبات من الضروري الحوار المباشر لفهم الآخر. وهو أمر يتفق المصري عليه، الذي يلفت النظر الى ان الهدف من اللقاء تحقق «عبر فتح الحوار وفهم الآخر كما هو، اذ في البعد جفاء والانسان عدو ما يجهل»، مشيرا الى أمور اتفق عليها الطرفان «وتفاهمنا على المنطلقات التي يحدد من خلالها التيار مواقفه».
وعلم ان عون أوضح موقف التيار من بعض القضايا، وشرح، على سبيل المثال، ان التيار «لا يؤيد أي سلاح خارج اطار الدولة». كما انه أعلن، في الموضوع السوري، ان التيار «يقارب الموضوع السوري من ناحية نظرته الى دور الدولة السورية».
يتفق الطرفان على ان اللقاء هو مقدمة لتوضيح الصورة النمطية لدى الطرف الآخر، لكن لا يبدو انه تمت مقاربة عميقة للقضايا الخلافية، إذ إن الرأي الذي قدمه عون حول السلاح لا يعني ان التيار يعارض سلاح «حزب الله» المصنف في اطار سلاح المقاومة. كما ان تأييد الدولة السورية يعني ان التيار يعارض إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بالقوة. من هنا، لا تزال القضايا الخلافية قائمة، ومن الممكن ان ينظر الطرفان الى عقد اللقاء كإنجاز تحقق بحد ذاته، من المنتظر ان لا يكون يتيما، بل ستتبعه لقاءات أخرى.