لا شك انها خطوة نوعية وغير مسبوقة في لبنان تلك التي أعلن عنها «التيار الوطني الحر»، بإجراء انتخابات تمهيدية داخلية لاختيار المرشحين المحتملين لخوض الانتخابات النيابية المقبلة. الموعد في 31 تموز المقبل، على ما ورد في التعميم الذي أصدره رئيس التيار جبران باسيل.
لكن توقيت هذه الخطوة يثير تساؤلات كثيرة تطفو على السطح: قانون الانتخاب لا يزال في «فرن اللجان» النيابية وقد لا يخرج منه إلا محروقا، وهذا ما يؤشر ربما الى الاستعاضة عنه بما انتهت صلاحيته، أي قانون الستين المعدل، مع دنو الاستحقاق النيابي. فوفق أي قانون يجري التيار انتخاباته؟ وهل الظروف مؤاتية لاجراء مثل هذه الانتخابات حتى ولو كان القانون الداخلي ينص عليها؟ ماذا لو ان نتائجها أقصت بعض النواب العونيين مثل نعمة الله أبي نصر أو جيلبرت زوين…؟ هل سيصوت هؤلاء لعون في انتخابات رئاسية قد تحصل، ولا سيما ان المعركة الرئاسية يجب ان تكون المعركة الأم للبرتقاليين؟ والى أي مدى تساهم هذه الانتخابات في تعزيز أواصر «تكتل التغيير والاصلاح» أو في تفكيكها؟ من يخسر في هذه الانتخابات قد «يحرد» ويحرم عون من صوته نحو قصر بعبدا، فهل هي الظروف المناسبة حقا لكي يمارس التيار «ترف» الديموقراطية؟
من يؤيد مثل هذه التساؤلات يعتبر أن «الديموقراطية ليست فقط انتخابات بل أيضا هي جو ومعارضة. فمشكلة الديموقراطية في الشرق الأوسط انها ديكتاتورية الأكثرية، على قاعدة انني اذا ربحت يمكنني أن أفعل ما أشاء ولو على حساب التعدي على الأقليات». يضع هؤلاء «الغيارى» على وصول «الجنرال» الى بعبدا، الخطوة البرتقالية في خانة «تصفية حسابات داخلية من شأنها أن تؤذي التيار والعماد عون».
داخل التيار، تبدو هذه التساؤلات من «خارج السياق لأنها تنطلق من أساس خاطئ ورؤية ضيقة». فهذا الاستحقاق، وفق عونيين، «لا يطاول الا حاملي البطاقات الحزبية وهدفه باختصار انه يعطي كل حزبي الحق بأن يطمح أن يكون نائبا عبر التدليل على نفسه من خلال هذه الانتخابات بأنني موجود وهذه هي قدراتي». ويتابع هؤلاء: «الفائز ليس بالضرورة هو مرشح التيار النهائي الى البرلمان، لأن التحالفات لها كلمتها في المرحلة الثانية، وهذه هي أهمية الانتخابات لكونها تختبر التيار أولا والأرض ثانيا».
يشرح المسؤول الاعلامي السياسي في التيار حبيب يونس قائلا: «يفوز في الانتخابات في آخر تموز حدّ اقصى من المرشحين المحتملين بنسبة 1,5 من عدد المقاعد المخصصة لكل مذهب. ويتمّ من بعدها استطلاع رأي بين منتصف تشرين الثاني وكانون اول ويكون محصوراً بمرشحي التيار ضمن الدائرة الانتخابية من اجل تصنيفهم تراتبياً وبالتالي حذف العدد الذي يتخطى عدد النواب المحدّدين لكل دائرة انتخابية وفق توزيعهم على المذاهب». وبعد اقرار القانون الانتخابي، تكون الآلية البرتقالية قد قدمت للحزب الطواعية اللازمة للتكيف مع هذا القانون أيا كان، لأنه بات يملك في يده مزاج التيار وتوجه الأرضية. فيجرى عندها استطلاع رأي بقرار من رئيس التيار لكي يتم اختيار المرشحين النهائيين وفق التحالفات الانتخابية وذلك بقرار سياسي من التيار ورئيسه».
تجري الانتخابات وفق الدوائر الانتخابية الحالية على قاعدة «وان مان وان فوت». ويلفت يونس الى ان القانون «تم إقراره بموافقة الجميع في مؤسسات التيار ومن دون أي اعتراض، وهذا ينفي اتهام ما يتردد عن حسابات داخلية والتي ليست الا حججا لاستهداف شخص الرئيس. إنها آلية علمية لا تأخذ في الاعتبار أي اعتبارات شخصية، بل انها تحترم ثلاثة أقانيم هي القانون والدوائر والوقت، فيكون التيار مستعدا للامتحان من دون المفاجأة بمداهمة الوقت أو شكل القانون. من قال إنه مطلوب من الأحزاب أن تبقى مكتوفة الأيدي بانتظار ولادة قانون الانتخاب؟ المطلوب، وهذا ما يزعم التيار القيام به، ان يكون الحزب في حال جهوزية للتكيف مع أي قانون انتخاب قد يصدر، فيكون عارفا بقدرات ما لديه من أحصنة في السباق النيابي ومنه الرئاسي».