IMLebanon

«الوطني الحرّ» و«القوات» الى المرحلة الثانية درّ!!

منذ نهاية العام 2014 الماضي، أَكَبّ كُلّ من عضو «تكتّل التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان، ومسؤول جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانيّة» ملحم رياشي، على تمهيد الطريق لإطلاق «إعلان نوايا» بين «التيار الوطني الحرّ» وحزب «القوات اللبنانيّة»، يطوي نحو ثلاثة عقود من الخلافات الإستراتيجيّة والتكتيّة بين رئيس «التيار» العماد ميشال عون ورئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع، من «حرب التحرير» و«إتفاق الطائف» في نهاية الثمانينات، مروراً بالنظرة إلى سلاح «حزب الله» والعلاقة مع النظام السوري إعتباراً من العام 2005، والتموضعين السياسيّين المحلّي والإقليمي العام، والنظرة إلى «حلف الأقليّات» وإلى «الحرب في سوريا»، وصولاً إلى «الإنتخابات الرئاسيّة»، إلخ.

وأمام هذا الكمّ الكبير من الخلافات والذي يتجاوز مسألة العلاقة الشخصيّة بين الزعيمين المسيحيّين الأقوى نيابياً وشعبياً، لم تكن مُهمّة كل من كنعان ورياشي سهلة، إلى درجة بدأ الشكّ يتسرّب إلى الكثير من النفوس من إمكان تحقيق أيّ نتيجة تُذكر بعد مرور أكثر من أربعة أشهر من جلسات التفاوض الكثيفة. لكنّ كل من كنعان ورياشي، وبتوجيه مباشر من قيادتيهما، يُصرّان على الخروج بنتيجة ناجحة ومُرضية للطرفين، علماً أنّ إختيارهما لهذه المهمّة ليس صدفة، بل لمُضاعفة فرص الوصول إلى الهدف المنشود. ومن الضروري التذكير أنّ النائب كنعان كان قد قاد شخصياً عشيّة الإنتخابات البلدية والإختيارية في العام 2004، وبصفته ناشطاً «عونيّاً» آنذاك، تظاهرات راجلة مُشتركة في «سن الفيل» والمتن الشمالي، لمناصري «القوات» و«العونيّين»، تبادلا خلالها إنشاد شعارات كل من الطرفين في حينه مثل «حرّية… سيادة… إستقلال» و«براءة، براءة… سمير جعجع براءة». والسيد رياشي الذي هو أيضاً إبن قضاء المتن، وتحديداً من الخنشارة، وله تاريخ طويل في معارضة الوصاية السوريّة على لبنان، معروف بثقافته العالية وبانفتاحه وعلى كل الأفكار المغايرة لرأيه وعلى الكثير من الشخصيّات التي لا تُشاركه الإنتماء الحزبي، وبتقبّله برحابة صدر للرأي الآخر، على الرغم من حزمه ودفاعه الصلب عمّا يؤمن به.

وبحسب مصادر سياسية متابعة لمُجريات اللقاءات بين كل من كنعان ورياشي فإنّ الورقة التي جرى التوافق عليها بين الطرفين، والتي تتضمّن نحو عشرين بنداً رئيساً، تُشدّد على نقاط الإلتقاء بين «التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانيّة»، وعلى مبادئ عامة تهمّ المسيحيّين بالدرجة الأولى، والمجتمع اللبناني ككل بالدرجة الثانية. وأوضحت هذه المصادر أنّ التركيز في «إعلان النوايا» المُنتظر إعلانه في أيّ وقت بعد النجاح في تذليل مختلف العقبات الأساسيّة من أمامه، سيكون على سُبل إعادة الدور المسيحي داخل الكيان اللبناني، وعدم السماح بعد اليوم بتجاوز هذا الدور، أو القفز فوقه أو الإلتفاف عليه. والتركيز سيكون أيضاً على ضرورة إستعادة الحقوق المسيحيّة، من الوظيفة في الدوائر الرسميّة، مروراً بقانون الإنتخابات النيابية، وحق إستعادة الجنسيّة للمُهاجرين قسراً، وصولاً إلى مسألة وصول رئيس قوي إلى رئاسة الجمهورية، لكن من دون الخروج عن الوحدة الوطنية وعن إحترام باقي الطوائف والمذاهب والحرص على حقوقها. وسيتطرّق «إعلان النوايا» أيضاً إلى مبادئ عامة مثل الحريّة والديمقراطية وإلى ضرورة الحفاظ على المسارات الطبيعية لسير النظام العام، ومنها واجب تنظيم الإنتخابات.

وأوضحت المصادر السياسيّة المُتابعة لمُجريات اللقاءات بين الطرفين أنّ التوافق مثلاً على مقاطعة أيّ جلسة تشريعيّة لا تتضمّن قانون الإنتخابات الجديد وقانون إستعادة الجنسيّة يُمثّل تلبية متبادلة لشروط مرفوعة من قبل كل من «التيار» و«القوات»، حيث تُصرّ «القوات اللبنانيّة» على بحث مسألة القانون الإنتخابي في أيّ جلسة تشريعية مقبلة، بينما يُصرّ «التيّار الوطني الحرّ» على بحث قانون إستعادة الجنسيّة للمغتربين اللبنانيّين، فكانت التسوية بربط هذين المطلبين لحضور الجلسات التشريعيّة أو حتى لمقاطعتها في حال عدم إدراجهما في جدول الأعمال. وأضافت أنّ هذه الصيغة التوافقية يُمكن أن تُعتمد في المستقبل حفاظاً على الحقوق المسيحيّة من جهة، وعلى التوازنات داخل الصيغة اللبنانية في الوقت نفسه.

وأضافت هذه المصادر أنّه بالنسبة إلى مواضيع الخلاف والتباين الرئيسة، ستنال حصّتها في ورقة «إعلان النوايا» من خلال مبادئ عامة تُشدّد على ضرورة تنظيم الخلافات، وعلى حق الطرفين بالإختلاف والتمايز في إطار العمل السياسي والديمقراطي. كما سيتمّ التركيز على ضرورة تجاوز ترسّبات الماضي، ومنع الحملات الإعلامية، وإحترام التباين والتموضع السياسي.

وأكّدت المصادر السياسيّة نفسها أنّه وتأكيداً على أنّ «إعلان النوايا» ليس مُجرّد مرحلة عابرة بين «التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانيّة» يعود كلّ منهما من بعدها إلى تموضعه السابق وكأنّ شيئاً لم يكن، سيتضمّن أسس إستكمال الحوار بين الطرفين، والذي سيبلغ في المرحلة الثانية أموراً تفصيليّة أكثر، مع تركيز على سُبل إيجاد نقاط إلتقاء في ظلّ الإختلاف الإستراتيجي بين الطرفين بالنسبة لأكثر من ملفّ وموضوع، مع الحرص الكبير والمتبادل على تنظيم الخلاف بينهما بشكل حضاري، والأهم بشكل لا يسمح للآخرين المُتضرّرين من هذا التقارب، بالنفاذ عبر هذا التباين المسيحي الداخلي للإنتقاص من حقوق المسيحيّين على مستوى الوطن، أو لفرض قرارات لا يكون للفاعليّات المسيحيّة الرئيسة دور مشارك فيها.

وختمت الأوساط السياسيّة عينها بالتشديد على أنّ مرحلة ما قبل «إعلان النوايا» بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانيّة» ليست كما بعدها، حيث أنّ التعاطي بين الطرفين سيَرقى من الآن فصاعداً إلى مستوى حق الإختلاف السياسي الحضاري، وحق التنافس السياسي الديمقراطي، وحق التموضع السياسي المُتقابل بكل إحترام.