يحاول البعض أن يضلّل جمهور التيار الوطني الحر بحصر معركته الانتخابية والسياسية مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وهذا أمر ليس صحيحاً أبداً ولو أن هناك خصومة سياسية شديدة بين الجانبين.
بين القوات والتيار تنافس على الأصوات المسيحية لمعرفة من يوصل نوابه إلى البرلمان بأصوات مسيحية صرفة وبالتالي يكون هو الأكثر تمثيلاً لدى المسيحيين بغض النظر عن عدد النواب، وهذه نظرية روج لها وحملها التيار الوطني الحر وعلى أساسها طالب بأن ينتخب المسيحيون 64 نائباً، وعلى أساسها قال بعد اتفاق الدوحة واعتماد قانون الـ 60 «ردينا الحقوق للمسيحيين»، وعلى أساسها أيضا روج ويروج التيار للمشروع الانتخابي للقاء الأرثوذكسي، ولكن التيار يعتمد اليوم في العديد من الدوائر على الصوت الشيعي أقله من أجل تأمين الحواصل وإيصال مرشحين له إلى البرلمان، ويعتمد التيار أيضا على معادلة ما يعرف لدى الرأي العام بالـ»السحسوح» الذي يتعرض له المرشحون الشيعة على اللوائح المدعومة من القوات لـ»إقناعهم» بالانسحاب.
في الصوت الشيعي هناك أصوات حركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وصفه رئيس التيار الوطني الحر بـ»البلطجي» والذي جعله في صفوف المنتمين إلى التيار «رمز الفساد الأول» والذي يلقي التيار عليه تبعات»ما خلونا»، ولكن المفارقة كانت في تحالف التيار مع الرئيس بري في لوائح انتخابية في أكثر من دائرة وصولاً إلى ما هو متوقع بعد الانتخابات بأن يجتمع الطرفان مجدداً في حكومة ليعود بينهما تبادل الاتهامات بين»ما خلونا» و «ما خليناهم».
في الصوت الشيعي هناك أصوات «حزب الله» الذي أقام العماد ميشال عون معه تفاهماً في 6 شباط من العام 2006 ولكنه تفاهم وباعتراف التيار الوطني الحر «فشل في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون» ويكرر التيار والحزب أن هذا التفاهم يحتاج إلى مراجعة لم ولن تحصل.
صحيح أن هذا التفاهم أوصل العماد عون إلى رئاسة الجمهورية ولكن بأي ثمن؟ وهل ساهم هذا التفاهم في إنجاح العهد أم في إفشاله؟
لقد ساهم هذا التفاهم في تغطية التخييم في وسط بيروت وشل الحركة فيه ومفاقمة الأزمة السياسية في وجه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وصولاً إلى الحكومات التي تلتها، وفي تغطية هجوم 7 أيار ضد بيروت والجبل وقد سقط من سقط فيه من ضحايا، وفي تغطية اتفاق الدوحة الذي أنتج حكومات ما يعرف بالوحدة الوطنية والتي كانت من أفشل الحكومات في لبنان وما نجم عنها من فراغ في السلطة حتى تشكيلها ومن تعطيل لأعمالها بعد تشكيلها، والمفارقة أن الفراغ والتعطيل بمجملهما ناجمان عن التيار وعن حليفيه في التفاهم السياسي والانتخابي «حزب الله» وحركة أمل، لقد ساهم هذا التفاهم في إفشال إعلان بعبدا الذي كان الوسيلة الوحيدة لعدم زج لبنان في صراعات المنطقة وتحويله إلى ساحة مستباحة، كما ساهم هذا التفاهم في عدم البت بأي استراتيجية دفاعية تنظم وجود السلاح برعاية الدولة حتى أن التطرق إليها في عهد العماد عون كان ممنوعاً.
لقد أوصل هذا التفاهم العماد عون إلى سدة الرئاسة بعد فراغ لمدة سنتين ونصف السنة أدى إلى تداعيات سلبية هائلة، ولكن بعدما وصل العماد إلى قصر بعبدا هل وضعت مفاعيل هذا التفاهم بتصرف الرئيس؟ هل وقف الحزب إلى جانب الرئيس في مواجهة من يتهمهم «بالعرقلة والتعطيل والفساد»؟ لقد أوصل نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم رسالة واضحة في هذا الإطار معتبراً العلاقة مع الرئيس نبيه بري وحركة أمل علاقة «استراتيجية ثابتة ومتينة واللي مش عاجبو يدق راسو بالحيط».
قد يتنطح البعض من التيار للقول و»أين تفاهم معراب الذي أفشلته القوات؟». «لو سلمنا جدلا أن القوات أفشلت تفاهم معراب، فكيف أدى ذلك إلى فشل العهد؟ هل منعته القوات من تشكيل حكومات كما يشتهي؟ وهل منعت القوات مثلاً التدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان؟ وهل أنفقت القوات ما كان في احتياطي مصرف لبنان؟ وهل منعت القوات ضبط الحدود مع سوريا؟ وهل خربت القوات العلاقات مع الدول العربية والغربية؟
واضح من خلال كل ما سبق كيف فشل العهد، ولكن البعض مصر على القول إن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع هو الذي أفشل العهد، وهذا اتهام يطلق لسهولته لا لصحته، لأن تسمية الجهة الفعلية والحقيقية التي أفشلت العهد تعني خسارة أصوات للحواصل وأصوات تفضيلية، ولذلك يتبادل الطرفان الرشاوى، رشوة تتمثل في الهجوم على جعجع مقابل رشوة بأصوات انتخابية.
لم تملك القوات اللبنانية يوماً قدرة سياسية على إفشال وتعطيل عهد العماد ميشال عون فلا مشاركتها في بعض الحكومات سمحت بذلك ولا عدد نوابها سمح بذلك ولا تحالفاتها السياسية سمحت بذلك، فلا علاقة لها مع «حزب الله» الذي ينسق ويقف مع الرئيس بري في كل لحظة سياسية وموقف وآخرها كان منع حكومة الرئيس ميقاتي من الانعقاد لمدة شهر، ولم تكن القوات اللبنانية من أفشل التسوية مع الرئيس سعد الحريري الذي منح أصواته التفضيلية لصديقه جبران.
في زمن الحرب رفعت القوات اللبنانية شعار»إعرف عدوك» ومن المفيد لو يتبنى التيار في هذا الوقت هذا الشعار ويعرف بالفعل من هو خصمه الحقيقي.