IMLebanon

“التيار الوطني الحر” بين الإنجاز والإخفاق وبين الشعار والتطبيق

 

 

بعد 15 عاماً على دخوله جنّة الحكم، عُدّ “التيار الوطني الحر” جزءاً أساسياً من المُعادلة الحاكمة في الدولة، بعدما حصد في انتخابات 2005 نسبة قدرها 73% من الناخبين المسيحيين وعدداً لا بأس به من الناخبين على المستوى الوطني العام، ودخل بقوّة الى الندوة النيابة كثاني أكبر كتلة نيابية بعد تيار “المستقبل”، وفرض نفسه قوّة سياسية لا تُقهر في انتخابات 2009 مع فوزه بـ22 مقعداً نيابياً.

 

وقد ترافق ذلك مع تسوية الدوحة التي، وإن جاءت بالعماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فرضت العماد ميشال عون القوّة الأكثر تأثيراً من خلال كتلة وزارية وازنة من 10 وزراء، وما يعني ذلك من سلطة القبض على الغالبية الحكومية، مُباشرة ومن خلال حلفائه، وإعطائه سلطة التحكّم بمروحة واسعة من التعيينات والتشكيلات والمواقع الحسّاسة في المؤسسات والوزارات السيادية والخدماتية.

 

لكن، بعد وصول العماد عون الى الرئاسة، وانتخابات 2018 التي وفّرت لـ”التيار” وحلفائه كتلة نيابية من 29 نائباً، و11 وزارة وإمساكاً بمفاصل بالغة الخطورة، سواء في الحياة السياسية والدستورية، او في إدارة البلاد من خلال تسميات وتعيينات إدارية وأمنية وقضائية، لا بدّ من الوقوف على جردة حساب، تُقارب بين الشعارات والأهداف المرسومة، وبين حقيقة الإنجازات المُحقّقة.

 

ويرى موالون لـ”التيار” أنّ تركيبة لبنان والتوازنات الطائفية والديمقراطية التمثيلية، شكّلت عائقاً جوهرياً يحول دون تحقيق الأهداف. في حين يرى معارضو “التيار” أنّ حقيقة الواقع تنطبق عليه مقولة: “ذاب الثلج وبان المرج عن اهتراء وعجز”، وبأنّ الوعود والأهداف والشعارات تبخّرت خِدمة للمصلحة الشخصية لرئيس “التيار” جبران باسيل. فالتسويات السياسية جيّرها الأخير لمصالحه الخاصة على حساب مبادئ “التيار” وأهدافه المعلنة.

 

مسؤول التنسيق السابق مع الماكينات الانتخابية الحليفة، وعضو لجنة المحامين في “التيار” المحامي فؤاد الأسمر، المُستقيل حديثاً من صفوفه، يقول لـ”نداء الوطن” إنّ صورة القائد عون ببزّته العسكرية، ومُناداته بالحرية والسيادة والإستقلال وبناء دولة المؤسسات، ألهمته وألهمت شعباً كاملاً عانى ويلات الحرب، وأعطته الأمل بإعادة قيام دولة المؤسسات والعدالة والقانون، تحميها القوى اللبنانية الشرعية. ورغم مأساة 13 تشرين الأول 1990 لم ييأس الجيل العوني من إمكان تحقيق هذا الحلم، بل ثابر العونيون على تحقيقها، وبدأ حلمهم يثمر مع إقرار الأمم المتحدة القرار 1559، والذي كان للجنرال عون دور جوهري فيه، وتلا هذا القرار في الـ 2005 عودة الرئيس عون من المنفى وخروج الجيش السوري من لبنان وإجراء انتخابات نيابية، شقّ “التيار” من خلالها طريقه واسعاً الى الندوة البرلمانية”.

 

ويُجاهر معارضو “التيار” ان اولى خيبات الامل التي مُنيوا بها تمثلت بإهماله للملف الانساني النازف المُتمثّل بقضية الاسرى والمفقودين، خصوصا أن “التيار” هو”أم الصبي” فيه.

 

في العام 2015، وفيما كانت الأنظار تتطلّع الى اول تجربة ديموقراطية في مسيرة حزب “التيار” تمّت تزكية باسيل ما شكل صدمة للعديد من الحزبيين وتبعت ذلك استقالات، سواء عبر تشكيل كتلة معارضة، أو عبر عودة المُستقيلين الى صفوفهم الحزبية الأساسية كحزب “الوطنيين الاحرار” وتشكيل حركة “النمور الأحرار ـ رفاق داني شمعون”، أو الإنضواء ضمن قوى حزبية وسياسية مختلفة كـ”14 آذار”.

 

يعتبر الموالون ان “التيار” برئاسة باسيل تمكّن من تحقيق إنجازات مختلفة، منها إقرار قانون انتخابي على قاعدة النسبية، في حين يردّ المعارضون على هذه المقولة بالتساؤل لماذا: عند تحقيق انجازات نعتبرها بطولات، وعند عرقلتها، لغايات معينة في نفس يعقوب، نقول: “ما خلّلونا”؟ ويعتبرون ان الحزب تحوّل الى إدارة باسيلية بامتياز تهرّبت من اصدار بطاقات حزبية جديدة، منعاً من اتضاح حجم الإستقالات الفعلية والعجز عن تحقيق عدد المنتسبين المنشود. يرون أن الإدارة تدهورت وزادت حدّة الفساد، وناقض “التيار” مختلف المشاريع التي أطلقها خدمة لمصلحة باسيل الشخصية والمبادئ التي رفعها، ومنها عدم جواز الجمع بين النيابة والوزارة وذهب الى توزير الخاسرين في الانتخابات، وسارع الى اقرار سلسلة الرتب من دون اي اصلاحات، كلّ ذلك خدمة لمصالح انتخابية ضيقة، الامر الذي كانت له آثار كارثية على الإقتصاد. وانتقد المعارضون بشدّة سياسة التوظيف العشوائي التي انتهجها رئيس “التيار”خدمة لمصالحه الشخصية، رغم قرار منع التوظيف، مُخالفاً بذلك منطق بناء الدولة، والفشل الذريع بإدارة قطاع الكهرباء والإخفاقات الجسيمة في سياسة السدود والتدخّل في القضاء وعرقلة التشكيلات. كذلك اعتمد “التيار”، في تولّي الوزارات والمناصب الحسّاسة، على شخصيات من زمن الوصاية السورية والمشهود لهم بالفساد.

 

لا يُخفي معارضو باسيل امتعاضهم من التدرّج الدراماتيكي للحالة العونية. فبعدما كانت العونية تياراً حراً على مستوى الهيكلية التنظيمية، بوصلته فكر وصوت القائد، تحوّل مع باسيل حزباً ذات هيكلية ونظام جامد. وبينما عمدت الأحزاب في مختلف دول العالم الحر الى إقرار تنظيمات حزبية لامركزية على مستوى القرار وأفقية على مستوى العمل والعلاقة بين الأجهزة والمحازبين، إذ بباسيل أصرّ على تكريس قاعدة مركزية القرار وعمودية العلاقات اسوة بالاحزاب التقليدية اليسارية. وعمد الى التشديد في خطابه على صفة “التياريين” وليس العونيين، وعلى التضييق على المحازبين واحالة العشرات منهم على المحكمة الحزبية واصدار قرارات الاقالة لأدنى التصرفات التي قد لا تعجب الوزير والدائرة المحيطة به. وجرى التفريط بمناضلين عونيين تاريخيين وبفكرهم وديناميكيتهم بأشكال وظروف مختلفة، منها انتخابية ومنها تنظيمية، لحساب مجموعات حديثة سناً وتجربة، توزّعت على المقاعد الامامية لـ”التيار”.

 

توالت الاستقالات من “التيار” ويقول الاسمر: “بعد سنوات من النضال في صفوف “التيار”، وبمواقع عدّة، أجد نفسي غريباً في مناخ حزبي تاه عن لبنان ولم يعد يمتّ بصلة الى القيم والمبادئ والاهداف والشعارات التي رفعها، وبتّ بين مجموعة من المُتسابقين على المناصب وليس على الإنجازات، على تبرير الإخفاقات وليس على الإنتصارات، على البصم والمصادقة بدلاً من المراقبة والمحاسبة”.