بعد إعلان كل من الرئيس نبيه بري والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، بَدا انّ القوى الداخلية والخارجية المعنية والرافضة لهذا الخيار اتجهت الى مراجعة حساباتها وتكتيكاتها لمواجهة موقف «الثنائي»، بعدما انتزع المبادرة وفرض إيقاعه على الآخرين.
مع انّ قرار «الثنائي» بتأييد فرنجية مُتخذ منذ فترة طويلة، ومعروف لدى الجميع، الا ان المجاهرة به رسمياً عكست تبدّلاً في قواعد اللعبة، بحيث يصح القول ان مرحلة ما بعد دعم ترشيح فرنجية علناً هي غير ما قبلها.
ومن الواضح انّ «الثنائي» توصّل بعد أربعة أشهر من الشغور الى اقتناع بأن الورقة البيضاء أدّت غرضها في كسب بعض الوقت لمحاولة إنجاز تفاهمات او تقاطعات حول اسم فرنجية، قبل طرحه على الملأ، من دون أن تُفضي تلك المحاولة خصوصاً مع التيار الوطني الحر الى نتيجة إيجابية، فكان لا بد بالنسبة إلى حركة امل و»حزب الله» من إحداث خَرق في الستاتيكو الجامد منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، عبر البوح باسم المرشح المفضل والانتقال الى التفاوض فوق الطاولة بأوراق مكشوفة تُنهي لعبة «الغميضة» التي سادت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة.
ويعلم «الثنائي» جيداً انّ وصول فرنجية الى قصر بعبدا ليس سهلاً وسط الفيتوات المسيحية عليه من جهة والرفض السعودي المرمّز له من جهة أخرى. وبالتالي، إنّ الاعلان عن دعمه لا يعدو كونه بداية مشوار طويل، في حين ان اختصاره يتطلب تعديلاً في موقف إحدى الكتلتين المسيحيتين (التيار والقوات) أو مرونة سعودية، وكلاهما غير وارد حتى إشعار آخر.
ويبدو التيار الوطني الحر أقرب إلى «بيضة قبّان» في معادلة التوازنات الحالية، بمعنى انه إذا اتفق باسيل مع القوات اللبنانية وحزب الكتائب على انتخاب مرشح معيّن يكون قد قلب الطاولة ودفع الاستحقاق الرئاسي وأرقامه الحسابية في اتجاه، واذا تفاهم مع «حزب الله» وحركة امل على التصويت لفرنجية يكون قد أخذ الاستحقاق وأكثريته النيابية في وجهة مغايرة.
بطبيعة الحال فإنّ باسيل، الذي لم يقرر بعد الخروج كلياً من «التفاهم»، لا يستسهل الانخراط في «تحالف رئاسي» الى جانب خصوم الحزب وعلى حساب مصالحه الحيوية، الا انه يترك هذه الورقة ضمن احتياطه الاستراتيجي تحسّباً لأسوأ الاحتمالات.
وهناك من يلفت الى انّ باسيل لا يزال يتفادى تجاوز عتبة اللاعودة في علاقته مع الحزب، لكنه اذا اعتبر في لحظة ما انه عرضة للاستفزاز وأن «الثنائي» سيفرض انتخاب فرنجية من دون مراعاة الاعتراض البرتقالي، فإنه قد يذهب عندها بعيداً في التصعيد السياسي المفتوح على كل الاحتمالات.
ولئن كان الأمل في أن يغيّر باسيل رأيه حيال فرنجية شبه معدوم، غير ان اوساطاً في 8 آذار تتساءل: لماذا لا يحاول باسيل نسج تفاهم سياسي – إصلاحي مسبق مع فرنجية، يمكن أن يشكل قاعدة ارتكاز لدعمه في انتخابات رئاسة الجمهورية، تماماً كما أبرم تفاهماً مع القوات اللبنانية وتيار المستقبل من قبل لتسهيل وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا؟
وبالنسبة إلى سلبية الرياض حيال خيار فرنجية، هناك من يفترض انّ معالجتها تتطلب على الأرجح مَنح السعودية ثمناً في اليمن، لا لبنان، لكن حصول ذلك من عدمه يرتبط بما سيؤول اليه مخاض الإقليم، لا الداخل.