يعيش التيار الوطني الحر، حالة من التفكك والضياع, منذ انتهاء الولاية الرئاسية لمؤسسه العماد ميشال عون قبل ستة أشهر، وفقدانه لكل مقومات السلطة، وبعد تردي علاقته مع حليفه الوحيد، حزب الله الى حد القطيعة، حتى بات تأثيره في الواقع السياسي اقل بكثير مما كان عليه في السلطة,وادنى من حجمه التمثيلي في المجلس النيابي.
بوادر الوهن وضعف التيار ظهرت في الاشهر الاخيرة من عمر العهد، المثقل بالفشل بادارة السلطة واغراق الدولة بأكبر كارثة اقتصادية ومعيشية، تمثلت بفشل الوريث السياسي لرئيس الجمهورية النائب جبران باسيل على فرض سطوته المعهودة على تشكيل حكومة آخر العهد المفترضة، والاستئثار بالمواقع القيادية والمهمة في تركيبة الدولة، بالعهد المقبل للامساك بمفاصل الدولة وقراراتها.
انكشفت وضعية التيار على طبيعتها الهشّة، بعد اسابيع معدودة من وجوده خارج السلطة. كوادر اساسية منه بدأت بالتمرد على قرارات وسلوكية رئيسه، بالاجتماعات المغلقة وخارجها ان كان بالنسبة,لسلوكه بحصرالترشح لرئاسة الجمهورية بشخصه، او منعها عنهم لمصلحة اخرين من خارج التيار، اوالتعاطي مع مسائل وقضايا مطروحة,وانفرادها باتخاذ مواقف وقرارت بمعزل عما ياخذه التيار، في ظل عجز رئيسه عن اتخاذ اي اجراءات عقابية ضدها.
لم يستطع التيار التموضع في تحالف السلطة التي كان احد أبرز مكوناتها، لان حليفه التقليدي حزب الله,لم يتبنَ ترشحه للرئاسة الاولى، واستبعده عن اختيار مرشح مقرب منه ومحسوب عليه .لم ينجح في الانضواء بصفوف المعارضة او تكوين تحالف معارض من نواب وشخصيات حيادية، او حتى شبك صداقات سياسية جديدة، لفقدان الثقة بسلوكيات وسياسات رئيسه الملتوية والفاشلة, والتابعة لحزب الله، طوال المرحلة الماضية.
طغى التخبط على سلوكية رئيسه، مرة يشارك في الجلسات التشريعية، اذا كانت تحقق مصالحه السياسية والشخصية، ومرة ثانية يرفض المشاركة، لان المجلس النيابي في حالة انعقاد دائم لانتخاب رئيس جديد، في مبارزة مكشوفة، مع كتلة القوات اللبنانية، لشد عصب المسيحيين، ومؤخرا تجاوز محظوراته كلها، وأمن نصاب الجلسة التشريعية ووافق على مشروع قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، متجاوزا كل شعارته المزيفة بالمحافظة والالتزام بالاستحقاقات الانتخابية.
لم ينجح رئيسه، بمحاولته استنساخ تجربة تعطيل جلسات مجلس الوزراء، واظهار التيار كقوة مقررة، تحت عناوين عدم شرعية انعقاد جلسات الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي وعدم وجود رئيس للجمهورية، بعد تمرد أكثر من وزير محسوب عليه بالمشاركة, وذهبت تهديداته، بالفوضى والخراب السياسي والشعبي، في مهب الريح، بعدما رفضت باقي مكونات الحكومة، تأييده والانضمام اليه، وفي مقدمتهم حليفه المبتعد حزب الله.
حاول من خلال تأييد تكتله لمشروع قانون تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، الذي سعى اليه الثنائي الشيعي، ابداء الرغبة بابقاء حيز من العلاقة مع حليفه حزب الله، والتوطئة لتفاهمات محتملة، بخصوص انتخابات رئاسة الجمهورية التي تضررت بفعل رفضه قرار الحزب, بتأييد ترشيح خصمه السياسي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة من جهة، وتحقيق مصلحة التيار الوطني الحر بعدم اجراء الانتخابات في هذا الظرف بالذات، تفاديا لخسارة محتملة شعبية محتملة تلوح بالافق، من جهة ثانية.
عبثاً، يسعى رئيس التيار الوطني الحر للاستنجاد بالعماد ميشال عون، الذي اوكل اليه مهماته الرئاسية، منذ تسلمه للرئاسة وحكمه المزخرف بالشعارات والوعود الوهمية, ووضعه بالواجهة من جديد، لاعادة لملمة وجمع جمهور التيار المنكفيء والمشرذم، جراء تراكمات الأداء الفاشل للعهد العوني وممارسات باسيل على كل المستويات.
يحصد ميشال عون وجبران باسيل والتيار العوني عموما اليوم، نتائج ممارساتهم الفاشلة,باضاعة الفرصة الذهبية والفريدة, بتولي رئاسة الجمهورية، والمساهمة بتوظيف التفاهمات والاتفاقات المعقودة مع الأطراف السياسيين، والتي ساهمت بانتخابه رئيسا,لاسيما تفاهم معراب، والاتفاق مع الرئيس سعد الحريري، لاعطاء مثال جيد ومقبول بادارة السلطة، والنهوض بلبنان نحو الافضل، بدل انتهاج سياسات التعطيل، وتجاوز الدستور, والانشغال الدائم,بافتعال المعارك العبثية، تحت شعارات شعبوية ممجوجة, تارة لاعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، الى ما كانت عليه قبل الطائف، وتارةاخرى بإلهاء الناس باستعراضات، الاصلاح ومكافحة الفساد المزيفة، بينما كان انشغال رئيسه، بنهب وتدمير قطاع الكهرباء بالكامل، والذوبان في سياسات صراع المحاور والتبعية العمياء للسياسة الايرانية ومصالحها، على حساب المصلحة الوطنية العليا، وعلاقات لبنان مع اشقائه العرب.
باختصار، ظهر بوضوح ضياع رئيس التيار في في رسم خط سياسي جديد، للعونية السياسية لمرحلة مابعد انتهاء العهد العوني الكارثي، بمعزل عن التبعية لحزب الله، والتي استقوى بها طوال العقد الماضي، لتعطيل عمل الحكومات، واستهداف معظم الاطراف السياسيين، واضعاف المؤسسات والادارات العامة.
ولذلك، لن تنفع محاولات التجميل، لسياسات العهد العوني الفاشلة والكارثية، التي تلطخت بسواد ادائه التخريبي، وتدمير الدولة ونهب مقدراتها,مهما تفنّنَ رئيسه, بإطلاق الشعارات الرنانة، والتذرع بالموانع الوهمية والمزيفة، التي حالت دون تحقيق اي انجاز يسيط، ولو كان متواضعا لمصلحة البلد. ولم تعد المتاجرة بإعادة النازحين السوريين اعلاميا وسياسيا، تقنع احدا, بغياب اي خطوة تنفيذية بإتجاه نظام الاسد المتحالف معه, ولا شعارات الاصلاح ومكافحة الفساد، تلقى الأذان الصاغية، بعد تعطيل التشكيلات القضائية، وتوظيف بعض القضاة، في خدمة الالغاء والتشفي السياسي من الخصوم, ولن تنفع التهديدات العنترية والاستفزازية الفارغة، من منابر جزين اوغيرها، في تبييض صورة التيار العوني، ومنح رئيسه المؤسس والحالي, صك براءة من كارثة الانهيار التي اوصلا لبنان اليها، انطلاقا من «جرب المجرب كان عقله مخرب».