يرفض التيار الوطني الحرّ، ورئيسه جبران باسيل، الاعتراف بأنه لا يعيش إلا على المؤامرات. فقد حاول باسيل، وفي مختلف المواقف استثمار ما يحدث في لبنان، لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الآخرين. من خلال المزايدة في اتخاذ المواقف.
وفي العودة الى الماضي، نتذكر ان التيار لم يتوان عن مهاجمة الجيش وقيادته في تلك المرحلة، حين كان العماد جان قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية. أما اليوم فإن التيار يحاول وضع الجيش في مواجهة المواطنين والمتظاهرين. وكل المعلومات تؤكد حجم الضغوط التي مارسها التيار، للتدخل في فضّ التظاهرات، وفتح الطرقات ولو بالقوة.
إن مواقف رئيس التيار الوطني الحر، حملت أكثر من اتجاه جمع بينها التصعيد السياسي، والمواقف الاستفزازية التي يبدو، أنها جاءت ضمن مرحلة «تفاهم» وتنسيق مع حزب الله، وبدعم كبير من رئاسة الجمهورية، التي رسمت هذه الهالة الكبيرة لجبران باسيل.
لقد بدأ استفزاز باسيل من القاهرة، حين كان وزيرا للخارجية، حيث دعا في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، الي عودة سوريا الى الجامعة العربية، ما ترك أكثر من علامة استفهام بشأن سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الدولة اللبنانية.
وبدا واضحاً ان مواقف باسيل تمّت بالتنسيق مع حزب الله وأعود لرسائل رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، لأقول إن سهامه وُجِّهتْ الى أطراف عدة، بدءا من الداخل، وخصوصاً الى صهر رئيس الجمهورية الثاني النائب العميد شامل روكز، الذي انتقل الصراع بينه وبين باسيل الى العلن، مع اتخاذ روكز مواقف متمايزة عن «التيار»، متحدثا عن الفساد وانهيار الدولة وتحميل الطبقة السياسية ومن بينهم «التيار» مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
لقد تضمنت تصريحات باسيل تصويبا ضمنيّاً على روكز، متهما إياه بمحاولة القيام «بحملات تضليلية»، وباتخاذ خطوات لتأطير العسكريين القدامى.
رسالة أخرى لرئيس التيار الوطني الحر، حملت تصويبا داخليا على كل الأفرقاء، عبر تهديد باسيل بإمكانية قلب الطاولة على الجميع. علما إن باسيل يوصف بأنه رئيس الظل في لبنان.
إن رسائل باسيل من خلال مواقفه، تضمنت ايضا رسائل الى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
ولن ننسى بالتأكيد مواقفه، من تشكيل الحكومة اليوم، وتصميمه على وضع العراقيل أمام مهمة الرئيس المكلف، وهو يحاول جاهدا إفشال التشكيل، لإفشال الحريري ومنعه من التشكيل بأي شكل من الأشكال، كما نذكر بمواقف التيار من التدخل في القضاء، من خلال بعض القضاة الذين يأتمرون بأمره. وبخاصة ما يطلق عليها اسم الغرفة السوداء في قصر بعبدا، تلك الغرفة التي يترأسها جريصاتي، وبمساعدة من القاضية غادة عون على اتصال دائم ببعض القضاة لتغيير مسار التحقيق في الكثير من القضايا… ونتمنى أن لا تكون قضية تفجير المرفأ من بينها، من خلال الاستدعاءات التي أصدرها المحقق العدلي القاضي فاودي صوان، والتي اعتبرت استنسابية.
وعلى الرغم من تصريحات باسيل الاستفزازية، وتصويبها نحو الداخل، إلا أن مواقفه هذه تضعه أيضا في خانة التصويب على المجتمعين العربي والدولي، خصوصا في مرحلة حسّاسة يمُرّ بها لبنان، وبات معه قابَ قوسين او أدنى من الإنهيار بسبب الصراع الإقليمي والدولي في أكثر من بلد، والذي يعتبر لبنان شريكا فيه بشكل مباشر او غير مباشر، بسبب حضور حزب الله، وبسبب النفوذ الإيراني.
إن لبنان اليوم لم يعد يَحْتَمل المزيد، فقد وصل الى مرحلة حرجة، لم يَعُدْ باستطاعة أحد إنقاذه منها، بفضل تهافت ساسته على الحصص والحقائب، وصارت الحكومة في خبر كان، إذ لم تُفْلحْ زيارتا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رأب الصدع، وتقريب الرؤى، والابتعاد عن الأنانية.
وها هي زيارة ماكرون الثالثة باتت قريبة، والحال لاتزال على ما هي عليه، حتى انه لمّح بعدم لقاء السياسيين أبدا بعدما كان اتهمهم بالفشل والخيانة في ختام الزيارتين السابقتين.