شكّل «التيار الوطني الحرّ» منذ عودة العماد ميشال عون من منفاه في فرنسا حالة شعبية واسعة، وصفها حينها رئيسُ الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط بالـ»التسونامي القادم». في حين حاول كثرٌ على الساحة المسيحية التصدّي لها.
ترجمت إنتخابات العام 2005 هذه الإدّعاءات، حيث حصد «التيار الوطني الحر» ثاني أكبر كتلة نيابية، ودخل منذ العام 2008 الحكومات المتعاقبة، وكان يُعرف دائماً بالمعارض حتى وهو في السلطة. هذه الحالة العونية التي عرفها الشارع اللبناني، تنتظرها تحدّيات كثيرة، لا سيما الإستحقاق الإنتخابي المقبل في أيار 2018.
إنّ تسلّم الوزير جبران باسيل رئاسة «التيار»، ووصول العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، وضعا «التيار» أمام مسارات مختلفة، أبرزها الوصول إلى تحقيق العهد القوي، لأنّ نجاح العهد قد يفتح بابَ القصر الجمهوري في المستقبل أمام باسيل.
أوجد طموحُ باسيل خصوماً له في السياسة، حتى من حلفائه. هذه الخصومة تصوّب على ما وُصف بأنه إنجازات العهد، الذي يُعتبر باسيل مهندسه، لإفشاله وعرقلة فرصه في الرئاسة، مع تطويقه إنتخابياً. فما زيارة رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية إلى جزين، الأولى في تاريخه، ولقاؤه المرشح والمنافس الإنتخابي لـ«التيار»، إبراهيم عازار حليف الرئيس نبيه بري، إلّا رسالة تصبّ في خانة التضييق الإنتخابي.
وتلفت مصادر مواكبة إلى أنّ «التيار ينظر بريبة الى الحليف القواتي وسلوكه العلني الذي يخفي ميولاً مبطّنة، رغم ورقة النيات الحاملة إتفاقاً استراتيجياً بينهما. فالتحرّك القواتي من فتح ملف الكهرباء، إلى إعلان الترشيحات، ولا سيما في البترون، إلى الإنفتاح على «المردة»، ليست إلّا رسائل مستقبلية، موجّهة إلى باسيل، لإسقاطه نيابياً، ولاحقاً رئاسياً.
إضافة إلى الكتائب اللبنانية، التي رفضت الدخول في الحكومة، واختارت موقع المعارضة وتصويب الإتهام إلى وزراء «التيار»، في دلالة واضحة إلى نيّة الحزب إظهار نفسه بأنه مدافعٌ عن حقوق اللبنانيين، والإلتفاف على شعبيّة «التيار».
وتوضح المصادر أنه «صحيح، أنه ليس هناك ما يجمع بين «القوات»، و»المردة»، والكتائب، من إتفاقات مطروحة بينهم، لكنّ تحجيم «التيار الوطني الحرّ» نيابياً، هو المطلوب في المرحلة المقبلة، لكي لا يستطيع كسبَ كتلة نيابية كبيرة، تكون داعمةً لباسيل، ولنهجه في السياسة العامة للبلاد».
وتقول: «أمام هذه المنافسة في المعركة المستقبلية، يجد باسيل نفسَه، أمام تحدٍّ جديد، في العلاقة مع «حزب الله»، الذي دخل في اللعبة الإقليمية، من خلال مشاركته العسكرية في حروب العراق واليمن وسوريا.
وهذا ما يضع باسيل أمام خيارات صعبة، أبرزها تمتين الحلف مع «حزب الله»، وبالتأكيد ستؤثر العلاقة مع الحزب، في زعزعة علاقة «التيار الوطني الحر» بتيار «المستقبل»، ما سينعكس سلباً ولا سيما في الإنتخابات النيابية المقبلة.
إنّ الإنقسام العامودي في الرؤية الإستراتيجية للمنطقة العربية، بين إيران وحلفائها، وأبرزهم «حزب الله»، والمحور العربي وحلفائه في الداخل، دفع بباسيل الى السير بين النقاط، لكي لا يخسر العلاقة مع الفريقين. فهو يدرك جيداً، أنّه بخسارة فريق منهما، يصعب عليه الوصول إلى سدّة الرئاسة».
وتعتبر المصادر أنّ «على «التيار الوطني الحرّ»، إجراء قراءة صحيحة للمرحلة المقبلة، لا سيما التحضير الجدّي للإنتخابات النيابية، من خلال اختيار المرشحين الفاعلين والمؤثرين في الدوائر الإنتخابية، من الذين يحصلون على ثقة الناخبين أولاً.
وثانياً، من الذين يُعتبرون من الدائرة الضيّقة لرئيس «التيار» وطروحاته السياسية. هذا، ما يعطي الأفضلية لباسيل ولـ»التيار» في مجابهة التحدّيات المقبلة رغم صعوباتها».