قُرعت الطبول إيذاناً ببدء معركة تحرير جرود عرسال، فلم يتأخر التيار الوطني الحر عن تقديم الدعم بشراسة لرجال المقاومة، والجيش اللبناني الذي يحمي بلدة عرسال. بالنسبة إلى القياديين والمناصرين ليس في الأمر استغراب، فلا غبار في الموقف الاستراتيجي
دائمةٌ هي الرهانات على «خطف» الرئيس ميشال عون من صفوف الخطّ المقاوم، وزادت بعد انتخابه رئيساً للجمهورية. قبل ذلك، كان «الجنرال» منذ عام 2005 يتعرّض لحملات الـ«تخوين» ومحاولات التطويق، لأنّه اختار مشروع المقاومة، عوض الالتحاق بصفوف من يدّعون الحفاظ على السيادة فيما هم لا يتوانون عن تقديم «أوراق الاعتماد» إلى الدول الاقليمية والغربية.
لم يُسهم ذلك في أن يُبدّل عون من اقتناعاته الاستراتيجية، تماماً كما لم تنجح ورقة النوايا بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وما يُحكى عن اتفاق سياسي بين القيادتين، والصفقة الرئاسية والتفاهمات السياسية بين التيار العوني وتيار المستقبل، وإمكانية تعاونهما خلال الانتخابات النيابية المُقبلة، في جعل عون ينقل البارودة من كتفٍ إلى أخرى؛ فأعلن خلال زيارته مصر، في شباط الماضي، أنّ وجود سلاح حزب الله ضرورة. وانتزع من القمة العربية في الأردن حقّ لبنان بالمقاومة. وها هو التيار الوطني الحر «يتجنّد» دعماً للمقاومة في معركة تحرير جرود عرسال من الإرهابيين. فقد ثَبت أنّ «التيار»، قيادةً ومناصرين، لا يردّ المقاومة خائبةً أبداً، حين يدْهَم البلاد خطرٌ، أتى من الحدود الجنوبية أم من السلسلة الشرقية. بعد 11 سنة من إعلان تفاهم مار مخايل، يؤكد العونيون عبر مواقفهم أنّ بينهم وبين حزب الله «تكاملاً»، تماماً كما وُصف التحالف في حينه.
يؤكد العونيون عبر مواقفهم أنّ بينهم وبين حزب الله «تكاملاً»
صحيح أنّ موقف «التيار» قد لا يكون مُستغرباً، «لأننا بالأمور الأساسية لا نحيد عن خطّنا»، بحسب أحد النواب العونيين، ولكن الإشارة الإيجابية إلى موقف التيار الوطني الحر، الداعم بشراسة لـ«المقاومة المنصورة» (كما ورد في مقدمة الـOTV ليل السبت الماضي)، تبدو أساسية بعد «الهزّات» التي شابت العلاقة بين «التيار» وحزب الله، منذ سنة.
المطبّ الأول كان حين شارك بعض مناصري التيار الوطني الحرّ فريق 14 آذار حملته ضدّ حزب الله، بأنّ الأخير لا يريد انتخاب عون رئيساً للجمهورية. لم تُبادر القيادة العونية إلى احتواء هذه الموجة، وإعادة تحديد البوصلة، فاستفادت من الضغط المُمارس على قيادة حارة حريك. وجّه الوزير جبران باسيل تحيّة إلى صمود حزب الله، خلال «احتفال النصر» بعد انتخاب عون. إلا أنّ ذلك أتى بعد أن أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أنّ نواب كتلة الوفاء للمقاومة مُستعدون ليكشفوا أوراقهم التي تؤكد اقتراعهم لمصلحة عون، فيُبدّد التيار العوني شكوكه.
العثرة الثانية في العلاقة بين الرابية (سابقاً) وحارة حريك، برزت خلال المفاوضات حول قانون الانتخابات، ورغبة قيادة التيار في «احتكار الحليف»، على حساب حلفاء آخرين. مورست الضغوط على حزب الله حتّى «يُجبر» شركاءه الآخرين على السير بمشاريع القوانين التي اقترحها «التيار»، وإلا فسيكون ذلك مسماراً يُدّق في نعش «استعادة حقوق المسيحيين»، كما لوّح قياديوه، وصولاً إلى استخدام منطق: «سلّفنا حزب الله خلال حرب تموز وعليه أن يعيد الدين»، فاشتد عصب الشارع البرتقالي، الذي شارك جزء منه في هذه الحملة أيضاً.
إضافةً إلى هاتين الإشارتين، باتت لـ«التيار» تفاهمات سياسية جديدة، تتناقض مع مشروع المقاومة. كذلك فإنّ رئيسه السابق أصبح رئيساً للجمهورية لديه علاقات مع المجتمع الدولي الذي يُريد تشديد العقوبات ضدّ حزب الله. ولكن، يستطيع النائب زياد أسود أن يُغرّد على «تويتر» تحيةً لـ«شهداء المقاومة ولسيدها… جيش ومقاومة، سلاح واحد». ويرى مسؤول البلديات السابق مالك أبي نادر أنّ «كلّ ما يُكتب طعناً بالمقاومة والجيش هو ما ظهر من جبل الجليد مما يعتمل في نفوس هؤلاء الخونة من هزيمة وانكسار وخيبة. للبنان النصر ولهم ذلّ العيش». ويعبّر مسؤول العلاقات العامة في لجنة الإعلام ميشال أبو نجم عن خجله «أمام شهداء حزب الله الذي يواجه بالدم قطعان الإرهاب والتكفير، في الوقت الذي أنعم فيه بالأمان عائداً إلى بيتي في المساء». وتذكر مُقدّمة نشرة الـOTV أول من أمس أنه بات للبنان «قيادتان، سياسية وعسكرية، إلى جانب المقاومة، وهي ثلاثية لا تتهيّب صعود الجبال»، فيما يقف وزير الخارجية جبران باسيل عند باب الطائرة التي تقلّه إلى واشنطن، ليعلن محتفياً، أن «عرسال تعود إلى أهلها». ويتبرع أبناء بلدة القاع، بمبادرة من «التيار»، بدمائهم لجرحى الجيش والمقاومة. فبالنسبة إلى مصادر نيابية عونية: «لا نجد أنفسنا محرجين أبداً. ويُفترض أن لا يكون هذا الأمر خاضعاً لأي سجال». ألن يؤثر هذا الموقف على علاقات رئيس الجمهورية، و«التيار»، السياسية؟ «كلا. المُفترض أن لا يكون المجتمع الدولي ممتعضاً، لأنّ ذلك يندرج ضمن استراتيجية القضاء على الارهاب». أما بالنسبة إلى الأطراف المحلية، «الرئاسة وكلّ التسويات اللاحقة في البلد حصلت وحزب الله موجود في سوريا ويُقاتل الإرهابيين. ما الطارئ الآن؟».
تتحدّث المصادر عن مفهوم الحرب الوقائية «التي برّرتها دول العالم لنفسها، فكيف يريدون منا أن نُقارب الموضوع، نحن الذين نعاني من الارهاب على حدودنا؟»، مع إشارتها إلى أنّ «المعارك تدور في الجانب السوري، وضمن المساحات المتنازع عليها بين لبنان وسوريا».
ترتفع أصواتٌ كثيرة، رافضةً لـ«شرعنة» سلاح المقاومة والتعامل معه كأمر واقع بمواجهة الارهاب، عوض إيلاء هذه المهمة للجيش، لا سيّما أن «الغطاء» يُقدمه فريق رئاسة الجمهورية. تردّ المصادر بالقول إنّ «التوقيت لا يسمح بالمزايدات السياسية، خاصة من الذين يُحرّمون في بعض الأحيان على الجيش القيام بمهماته، مثل ردّ الفعل الذي تلى دخول الجيش إلى مخيمات النازحين». في النتيجة، تقول المصادر النيابية العونية «كتّر خير كلّ شخص يضع يده بيد الجيش اللبناني من أجل القضاء على مصدر الإرهاب».