IMLebanon

«التيار الوطني الحرّ» يدفع ثمن… جشعه!

 

يستطيع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أن يستعين بكل المعادلات الرياضية من كسر وضرب وفرز وأن يستحضر مخطوطاتِ «الخوارزمي» ليقنع الرأيَ العام بأنه «زعيمُ المسيحيين الأوّل»، وأنّ حزبَه خرج بـ»انتصار كبير» متفوِّقاً على الخصوم بأشواط كثيرة، وأنّ حضورَه عابرٌ للدوائر الانتخابية من شمالها الى جنوبها.

وفي إمكان باسيل أن يستعرض الأرقامَ والأسماء، ويتباهى بـ»نجوميّة» النواب العونيّين الذين يمثلون نبضَ حزبه، بعدما تغلّبوا على منافسيهم، سواءٌ كانوا من قماشة الخصوم أو الأصدقاء – الحلفاء، أو حتى الشركاء المضاربين. وستكون لديه الجرأة طبعاً لإدارة أذنه الطرشاء الى كل الانتقادات التي طاولت أداءَه الانتخابي من تحالفات هجينة وخطابات استفزازية وترشيحات بغيضة بالمنظار العوني، تفتقد المبدئيّة…

سيفاخر العونيون أنّ تكتلهم النيابي تقدَّم مسيحياً، وأنّ المرشحين الحزبيّين نجحوا في شدّ عصب «القاعدة البرتقالية» لتعطيهم الأفضلية على حساب الأصدقاء أصحاب «الحسابات الذهبية» التي مكّنتهم من القضم من أطباق العونيّين.

لكن سيكون لزاماً عليه أن يعيدَ حساباته، ولو بينه وبين نفسه، ليدرس ظاهرة تغيّر المزاج المسيحي، الذي منح «القوات» نصراً استثنائياً، في العديد، وفي الحضور… وإلّا فإنه يمارس الانتحار السياسي البطيء!

لا شك في أنّ دراسة المشهديّة النيابية تحتاج الى مزيد من التفاصيل والتوضيحات للخروج بخلاصات حاسمة. ولكن ما تبيّن حتى الآن، كفيل بتسجيل رزمة ملاحظات تطال النتائج الأوّلية، خصوصاً تلك التي حققها «التيار الوطني الحر».

فـ«التيار» يخوض معركته الأولى من موقع السلطة الحاكمة. لم يعد مجرّدَ شريك حكومي ونيابي يملك «كوتا خدماتية» تعكس تمثيله. إنه «حزب الرئيس».
كان لـ»التيار» ما يكفي من «الوقاحة» لكي يخوض معركته باسم العهد.

ضمّ كرسي بعبدا ومفتايح نفوذها وما لها في وجدان المسيحيين من مكانة وتأثير، الى «عدة الشغل». اضطر رئيس الجمهورية ميشال عون الى إصدار نداءَين، ثانيهما بالصوت والصورة يحضّ الناخبين على التوجّه الى صناديق الاقتراع، لأنّ تخاذلَ الناس يعني تراجع التصويت المؤيّد لـ»التيار» الذي لطالما شكّل «التسونامي» البرتقالية التي كانت تجتاج مقاعد الدوائر المسيحية.

رئيس الجمهورية كما وثّقت «الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات» ارتكب مخالفة صارخة بسبب خرقه الصمت الانتخابي، كرمى لعيون «التيار».

لم يُقرأ الانكفاء الشعبي عن صناديق الاقتراع إلّا من كتاب «قرف» الناس وعدم اقتناعهم بخطاب «التيار» وأدائه. طلّات باسيل الإعلامية خلال الأسبوعين الأخيرَين، على «الترويقة والغدا والعشا»، قلبت السحر على الساحر، وبدلاً من استقطاب مزيد من المؤيّدين الى «الخزّان البرتقالي»، هشّلت الناس من استفزازات «المرشح الأول» سواءٌ بحق غيره من المسيحيين أو الجنبلاطيّين أو حتى مؤيّدي حركة «أمل».

لا شك في أنّ المقارنة العددية بين «تكتل لبنان القوي» وبين «تكتل التغيير والإصلاح» ستكون لمصلحة الأول. لكنّ الفارق نائب واحد! في اليوم الأول لمجلس نواب 2009 كان عديد التكتل 27 نائباً بمَن فيهم النواب الأرمن و»المردة». فيما النتائج الأوّلية تشير الى أنّ «تكتل لبنان القوي» يضمّ 28 نائباً بمَن فيهم الحلفاء والأصدقاء.

الأهم من كل هذا، هو أنه حين يُسأل كيف جُمع بازل هذا التكتل، وبأيّ ثمن، تصبح لعبة الأرقام ثانوية. والأكيد أنّ باسيل يومَ بدأ في تسييل قانون الانتخابات الى منظومة تحالفات وأسماء، غلّب مفهومَ الأرقام والأحجام على الخيار السياسي. «التيار» ربح الأعداد لكنه خسر الجوهر وصدقيّته السياسية أمام الرأي العام. اختار «البراغماتية المبتذلة» فضحّى بمبدئيّته، فقط من أجل نائب أو نائبين إضافيَين.

تعامل مع الاستحقاق بجشع لا نظيرَ له. كان المطلوب تجميع النواب مهما كلّف الأمر. استخدم باسيل رافعة العهد ليصنع أكبر كتلة ممكنة اعتقاداً منه أنّ هذا «البلوك» سيفرِضه مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية بمعزل عن هويّة مكوّناته.

بهذا المعنى يصبح فرزُ التكتل بين عونيّين «ولاجئين» الى الحضن البرتقالي غيرَ مهم إذا ما تعهّد القادمون الجدد مسبقاً بالتصويت لمصلحة باسيل في الصندوقة الرئاسية.

ولكن ما الذي يضمن أن تاتي حسابات البيدر متطابقة مع حسابات الحقل؟ ما الذي يمنع القادمين الجدد من الانقلاب في لحظة الحقيقة؟ يكفي أن يقول ميشال معوض وقبل إعلان النتائج الرسمية أنّ انضمامَه الى التكتل لا يزال قيدَ الدرس لكي يصيرَ التشكيكُ مشروعاً؟ مَن يضمن تحوّلَ مواقف «المستقلّين»، وهؤلاء ليسوا بقلّة، أصوات نشاز في الاستحقاقات السياسية الصعبة، خصوصاً في ما يخصّ «حزب الله»؟

أن يدخل نعمة افرام مجلس النواب في «القطارالبرتقالي» لا يعني أبداً أنّ حيثيته الشعبية عونية. الرجل سيُمسك الأرقام التي فرزها ليلُ السادس من أيار ليثبت استقلاليّته السياسية. المعادلة نفسها تنطبق على معوض، وفي إمكان ميشال ضاهر أن يستخدم المنطق ذاته.

يذهب أحد المنتقدين الى القول إنّ «التيار الوطني الحر» ربح مزيداً من «اللوحات الزرقاء» لكنه «خاطر» بنفسه معرِّضاً صدقيّته للضرب. ضمّ وجوهاً جديدة الى تكتله، لكنّ الضريبة كانت مكلفة في مخاصمة كل الناس: القوى المسيحية تقاطعت ضدّه في الخندق المقابل، الرئيس نبيه بري يرصده عند أوّل مطب، وجنبلاط «طلع دينه» منه، حتى «حزب الله» يعضّ على جرحه.

في عدسة «الزوم أوت»، وسّع باسيل حضورَه النيابي، لكن في عدسة «الزوم إنّ» تظهر عللٌ كثيرة، أبرزها:

– أن يكون الفارق في الأصوات التفضيلية بين فادي سعد و»القيصر» جبران باسيل الذي سخّر الدولة بكل إمكاناتها لمقعده وبعد مدّه بالدعم السنّي والشيعي، نحو ألفَي صوت، فهذا مؤشر يحتاج الى التدقيق.

– الأرقام التي سجّلها قضاء كسروان مثلاً تُعتبر تراجعاً دراماتيكياً للعهد، بعدما كان يُفترض بالعميد المتقاعد شامل روكز أن يخرج من الحلبة نجماً أسطورياً، وإذ به يخرج نائباً عادياً.

– لم يحمِ «التيار» مناضيله الأقوياء من دببةٍ أتى بهم الى كرمه، فحمّلهم «أثقالاً» على أكتافهم، لا بل حيتان مال قضمت من أسماكهم التفضيلية. كان على يمين سليم عون «مصنع دولارات» وعلى يساره «مولّد ليرات». لا بل أكثر من ذلك، يُقال إنّ كان لباسيل مرشّح مفضّل في كل دائرة، أمّن له غطاءً مخفياً على حساب المناضلين الذين استلحقهم في اللحظة الأخيرة وطلب من العونيّين مدَّهم بالأصوات التفضيلية.

لكنّ المصيبة كانت وقعت، والتضارب شلّع الصفوف الداخلية، فيما المال تسلّل الى جيوب العونيين. يقول أحد العونيين إنّ العناية الإلهية هي التي حمت مرشحي الحزب القدامى، وسمحت لسليم عون بالعودة الى البرلمان بعدما «لطشت» الكهرباء يدَي أسعد نكد الذي مدّ يدَه إلى «التيار». كذلك ساندت سيمون أبي رميا الذي بدا فوزُه في الساعات الأخيرة أقرب الى الحلم، ومكّنت جورج عطا الله من الفوز على رغم التحالف الثقيل على صدره مع تيار «المستقبل»، وسهّلت العودة أمام زياد أسود ضدّ إمكانات أمل أبو زيد الهائلة…

هناك مَن كان يشعر أنّ باسيل كان يعمل على تصفية العونيّين الأقوياء باسم صناديق الاقتراع لمصلحة «كبار الجيوب». يؤكد عونيٌّ آخر أنّ التحدّي كان صعباً أمام هؤلاء، لكنّ ثمّة إيجابية تحققت وهي شدّ العصب العوني في اللحظات الأخيرة. والأكيد أنّ «التيار» في حاجة الى إعادة ترتيبٍ لوضعه الداخلي.