بعد انقطاع ثلاثة أسابيع «صامَت» فيها الحكومة عن الاجتماع والعمل بعد ما نشبت في داخلها ما باتت تُعرَف بأزمة التعيينات الأمنية، حدّد رئيس الحكومة تمام سلام يوم الخميس موعدًا لعودتها إلى الحياة، من دون أن تبدو هذه الدعوة مستندة إلى معطياتٍ جديةٍ وملموسةٍ توحي بـ «فرجٍ» ما أو بالحدّ الأدنى بـ «خرقٍ» استطاعت الاتصالات الجارية منذ بدء الأزمة الحكومية تسجيله في واقع الأمر.
على الأرجح، فإنّ العكس بالتحديد هو ما حصل. اصطدمت كلّ الاتصالات والوساطات الجارية بالحائط المسدود، وتزايدت الضغوط على رئيس الحكومة لدرجة وجد معها الرجل نفسه كمن لا حول ولا قوة له. كلّ فريقٍ تمسّك برأيه، من دون أن يبدي استعداداً للتنازل قيد أنملة. «التيار الوطني الحر» متمسّكٌ بمعادلة «التعيينات أولاً»، وخصومه متمسّكون بمعادلة «جلسة بمن حضر»، وبين الاثنين نفد صبر سلام، ولم يعد قادراً على الانتظار أكثر.
يرفض المقرّبون من رئيس الحكومة الإدلاء بأيّ تعليقٍ حول خلفيّات وحيثيّات الدعوة التي وجّهها الرجل لجلسة الخميس. يقولون انّ كلّ ما كان يُقال عن مُهَلٍ ومواعيد ليس رسمياً بأيّ شكلٍ من الأشكال، وبالتالي فهو لا يُلزِم إلا قائله، الذي لم يكن ليقوله أصلاً لولا إيمانه بأنّ «الحكي لا جمرك عليه». كلّ ما فعله سلام، يقول هؤلاء، أنّه مارس واجبه الدستوري ودعا لجلسةٍ للحكومة وفق الأصول المرعيّة الإجراء، وبالتالي فلا خلفيّات للموضوع ولا من يحزنون.
حين يُسأل المقرّبون من سلام عمّا إذا كان الأخير قد لمس معطياتٍ ما دفعته لاتخاذ هذا القرار اليوم، يجيبون بالنفي، قائلين انه قرارٌ كان لا بدّ أن يُتّخَذ عاجلاً أم آجلاً. ولكن لماذا اليوم؟ ماذا لو قاطع «التيار الوطني الحر» وحلفاؤه الجلسة؟ ألن يكون سلام مُحرَجًا عندئذٍ؟ «هذا شأنهم وليس شأن سلام»، يقول المقرّبون أنفسهم، ملمّحين إلى أنّ خطوة سلام محسوبة ومدروسة، فالرجل قام بواجبه ودعا لجلسة وهو مستعدّ لترؤسها وإدارتها وفق الأصول، وأيّ عرقلةٍ تحصل لا يتحمّل مسؤوليتها أمام الرأي العام سوى المعرقلين.
هكذا إذاً، يبدو أنّ رئيس الحكومة رمى الكرة التي أثقلته في ملعب القوى السياسية، وتحديدًا في ملعب «التيار الوطني الحر» الذي لم يعد يخفى على أحد أنه يخوض معركة كسر عظام في ملف التعيينات الأمنية، ولا سيما بالنسبة لاستحقاق قيادة الجيش المُنتظَر. ولكنّ الأخير اتخذ قراره على ما يبدو، من دون أن يتنازل عن شيءٍ من ثوابته التي سبق أن أعلنها. تقول مصادر محسوبة على «التيار» أنّ وزيرَي التيار سيحضران الجلسة بكلّ تأكيد، وفق المبدأ القديم الجديد: التعيينات بندٌ أول، ولا انتقال للنقاش في أيّ بندٍ آخر قبل البتّ به.
توضح المصادر أنّ مقاطعة الجلسة كانت خياراً وارداً بالنسبة لـ «التيار»، وهو كان سيحظى بإسنادٍ كاملٍ من قبل «حزب الله» بالدرجة الأولى، ولكنّ إخضاع هذا الخيار لميزان الربح والخسارة جعل استبعاده أمراً حتمياً وبديهيًا. هي تشير إلى أنّ عدم المشاركة في هذه الجلسة من شأنه جعل «الوطني الحر» الخاسر الأكبر بكلّ ما للكلمة من معنى، لأنه حتى وإن كان تعبيراً ديموقراطياً وسلميًا عن موقفٍ معارِض، إلا أنه لن يترك أيّ تأثيرٍ عملي في الحكومة، التي ستستمرّ عجلتها بالدوران كأنّ شيئاً لم يكن.
وينطلق «التيار» في ذلك من ثابتة أكيدة وهي أنّ النصاب سيبقى مؤمّناً حتى لو غاب كلّ وزراء «حزب الله» وتكتل «التغيير والإصلاح»، وكذلك الميثاقية طالما أنّ المسيحيين سيبقون ممثلين من خلال حزب «الكتائب» إضافة إلى الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، والشيعة كذلك الأمر من خلال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي كان من أكثر الذين حضّوا على عقد هذه الجلسة من دون إبطاء. ولذلك، فإنّ عدم حضور الجلسة لن يكون خياراً تكتيكيًا صحيحًا، بمنطق «التيار»، الذي يعرف أنّه قادرٌ بحضوره أن يؤثر أكثر، مستفيداً بشكلٍ خاص من الآلية الحكومية التي تمّ الاتفاق عليها مسبقاً، في ضوء الشغور الرئاسي، وتحوّل الوزراء بالجملة إلى رؤساء بالوكالة.
ولكن، هل يذهب «التيار» لحدّ «تفجير» الحكومة من الداخل؟ وهل يتقبّل وضع البلاد الحسّاس أصلاً «هزّة» من هذا النوع في هذا التوقيت؟ تقول المصادر انّ «التفجير» ليس خياراً مطروحاً، وأنّ كلّ ما يفعله «التيار» هو في النهاية حقٌ مشروعٌ له، وهو يمارسه ليس من أجل شخصٍ هنا أو منصبٍ هناك كما يحاول بعض «الخبثاء» الترويج للأمر، بل هو بالدرجة الأولى والأخيرة احتراماً للدستور وانتصاراً له، لأنّ الاستمرار في انتهاك الدستور ومواده وبنوده كما كان يحصل في الآونة الأخيرة لن يكون أبداً في صالح البلد ومؤسساته.
وإذا كان البعض يقول انّ المخطط «العوني» ليس منسجماً أبداً مع الدستور الذي يمنح رئيس الحكومة حصراً حق تحديد جدول الأعمال، فإنّ مصادر «التيار» تردّ على ذلك، بالإشارة إلى أنّ الجلسة الأخيرة عُلّقت من دون الانتهاء من جدول الأعمال، وبالتالي فإنّ أيّ جلسةٍ تُعقَد يفترض أن تنطلق من النقطة التي انتهت إليها الجلسة الأخيرة، ألا وهي قضية التعيينات، والتي يصرّ «التيار» على عدم العبور لغيرها قبل حسمها.
أما القضايا التي يفترض برئيس الحكومة أن يطرحها من خارج جدول الأعمال، والتي يُقال انّها هي الدافع الأساسي للدعوة للجلسة، بعدما تمّ النقاش بشأنها في اللقاء الأخير بين سلام وبري في عين التينة، والتي كشفت المصادر أنّها تضمّ بشكلٍ أساسي قضية ترسيم الحدود البحرية للبنان، بعدما جرى توحيد الرؤى اللبنانية بشأنه لمنع إسرائيل من سرقة الحقوق النفطية اللبنانية بعدما ضُبِطت بالجرم المشهود وهي تعتدي على الثروة البحرية اللبنانية، وكذلك قضية فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي بمرسومٍ يصدر عن الحكومة، حتى يتمكّن البرلمان من العمل، فإنّ المصادر «العونية» تكتفي بالقول: «لنبتّ أولاً التعيينات الأمنية، وبعدها يصبح لكلّ حادثٍ حديث».
في الخلاصة، توحي كلّ المؤشرات بأنّ جلسة الحكومة ستُعقد «في الشكل» يوم الخميس في الوقت الذي حدّده رئيسها تمام سلام، ولكنّها لن تخرج على الأرجح بأيّ قرارٍ، طالما أنّ «التسوية المنتظرة» لم تنضج بعد…