صدرت تعليقات كثيرة على حملة “النهار” بشعار “حرّر فكرك” واكثرها من داخل البيت الواحد، اي من الاقربين، ورأى احدهم فيها ضخ امل في مجتمع بدأ اليأس يدب في اوصاله، ويكاد يستسلم امام التطورات التي تدفعه الى الاحباط بعد اندثار الاحلام التي تطبع كل مرحلة جديدة. لا اعلم ما اذا كان في الامر انتقاد، او تأكيد لدور “النهار” في بث النهضة الدائمة في وطن الارز، والوقوف مع ناسه، الاحرار، الصامتين، الضائعين في متاهات اهل السياسة المنقسمين على ذواتهم، والمتقلبين على مواقفهم، والمرتهنين للخارج، والمراهنين على البلد وناسه.
وعلّق احدهم بان الديك والغنم انما يلقيان المصير نفسه فيساقان الى الذبح. صاحب هذا التعليق هو اول المستهدفين في الحملة، لان ثمة فارقا كبيرا بين ان يساق احدهم الى الذبح مرفوع الرأس مقتنعا بانه يدفع ثمن خياراته، والقضية التي يناضل من اجلها، وبين الاستسلام والانقياد الى الذبح كأنه مصير محتوم لا مفر منه. هذا هو الفرق بين الديك والغنم، بين صاحب القضية والذي يضحي من اجلها وبين اليائس المستسلم. لذا نصر على الحملة اكثر ونريدها للأقربين قبل الابعدين.
وعلّق ثالث بان امكان التغيير في وطن الارز صار مستحيلا بعد استشراء الطائفية والمذهبية والفساد التي يتغطى بها، والتي تنهش جسد الدولة وتقطع اوصالها وتدمر مؤسساتها، ما يقودها الى الانحلال، وبان حملة “النهار” وغيرها من الحملات لا تجدي نفعا. ونحن نرى في المقابل ان اطلاق المبادرات واجب ملحّ، لانه يتحدى الموت. مبادرات السلام لوقف الحرب كانت ملحة. ومبادرات المصالحات ضرورية. ومبادرات الحوار سحبت فتيل الانفجار.
حملة “حرّر فكرك” هي رفض للصمت المتمادي حيال الشغور والفضائح والاهمال، وهي دعوة الى التحرر الفكري، وإن محدودا في الزمان والمكان، لاننا لا نراهن على افتعال ثورة انقلابية، بل نطمح الى افساح المجال لكل مواطن للتعبير، ودعم المجتمع المدني في تجليات رفضه، ومحاولة دفع الاحزاب للاضطلاع بدورها الحقيقي حليفة للناس لا للسلطة المتسلطة. هي دعوة رجال الدين لفك التحالف مع سلطة المال والانحياز الى الانسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله.
ولا تقتصر حملة “حرّر فكرك” على المنحى السياسي كما ظن البعض، بل تتعداه الى مجالات الرياضة والفنّ والثقافة والاجتماع، لان التبعية واقعة لا محالة في كل هذه الساحات والمجالات وتعوق التقدم والتطوير. الحملة تتطلع، ولا تستهدف، الى الطلاب والشباب والكبار، الى رجال الدين والدنيا، الى كل فرد ما زال مؤمنا بلبنان، ويرفض التهجير المنظم تحت غطاء الهجرة.
المسألة ليست غنماً في مقابل ديك. ثمة ما هو اعمق، لانه يطاول الحرية، وهي ليست استحقاقاً جديداً لـ”النهار”، بل توأمها منذ 83 عاماً.