لم يكن تحويل يوم الشهداء في 6 ايار من كل عام الى يوم لشهداء الصحافة عملاً مستغرباً، فغالبية الذين أعدمهم الحاكم العثماني في حينه (1915- 1916) كانوا من الكتّاب والصحافيين والمثقفين الناشطين ضد هيمنة السلطة التركية على اللبنانيين والعرب. وقبيل حلول الذكرى يأتي اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 ايار) بمثابة تذكير للبنانيين ان اجدادهم الذين قتلوا في سبيل الحرية يحتاجونهم لمواصلة ما بدأوه قبل قرن من الزمان.
تراجع لبنان كثيراً في مجال الحريات. كانت الحروب وتسلّط الميليشيات والاحتلالات المتنوعة سبباً في ذلك، ثم جاء الانهيار الاقتصادي وهجوم الوباء ليزيدا الوضع صعوبة، وكان هناك من اصحاب رؤى الهيمنة والتسلط من يغتنم الفرص، فيقتل ويغتال ويفجر ولا يكتفي بالتهويل والترهيب فقط.
لا ننسى لماذا إغتيل سمير قصير وجبران تويني ومؤخراً لقمان سليم. هؤلاء وغيرهم دفعوا ثمن دفع قوى التسلط لبنان الى أسفل المراتب في مؤشر الحرية على مستوى العالم.
بين تشرين الأول 2019 ونهاية 2020 رصد تقرير لمؤسسة سمير قصير 340 انتهاكاً للحريات، بينها مثول 49 صحافياً ومدوناً امام المحاكم، و179 اعتداء على صحافيين من جهات رسمية وغير رسمية، و62 توقيفاً واستدعاء واستجواباً، و3 هجمات مسلحة على مؤسسات إعلامية، وتهديد 28 اعلامياً بوسائل شتى.
صحيفة ” نداء الوطن ” كانت بين المؤسسات التي تعرضت للضغوط والتهويل بسبب تمسكها بحرية التعبير عن جمهور لبناني واسع، ورغم فشل اصحاب الضغوط امام القضاء، لا يزال هؤلاء يعتقدون بإمكانية الضغط وصولاً الى كمّ الأفواه.
نجح المتسلطون في لبنان في دفعه عدة درجات الى الوراء ليحتل في مؤشر حرية الصحافة العالمي ( 2021) المرتبة 107 من اصل 180دولة تطرق الى أوضاعها تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود “. وحلت دول عربية عدة في مراتب أفضل من لبنان منها تونس وجزر القمر وموريتانيا والكويت، غير ان سوريا احتفظت بموقعها كأحد أسوأ سجون الحرية في العالم في المرتبة 173…
لا شيء يعزي في ذلك، بل فيه ناقوس خطر إضافي، ان لبنان بلد الحريات وأحد آباء الصحافة العربية الحرة وموطن أقدم نقابة للصحافة في المنطقة وأول مطبعة في الشرق، مهدد بسبب من يتسلط عليه، بالتحول الى جيب شرق اوسطي متخلف وعاجز ومدَمّر.