Site icon IMLebanon

“بدّك حرية ولاه؟”

 

لم يكن ينقص اللبنانيين إلا قوانين إعلامية جديدة تليق بالمرحلة الواعدة التي تنتظرهم، و”تضع ضوابط حيث لا يمكن الاعتداء على كرامة السياسيين”.

 

فهذه الضوابط أصبحت ضرورة لإكتمال نصاب إلغاء السيادة ونسف الدستور ومقدمته التي تنص على أن لبنان وطن سيد حر مستقل ونهائي لجميع أبنائه، في حين أن هؤلاء الأبناء يتسولون إغتراباً يشكل نزيفاً ديمغرافياً قد يصعب تعويضه، فقط لإنقاذ كرامتهم المستباحة بفعل البطالة والإذلال الممنهج امام محطات الوقود والأفران وأبواب المستشفيات، وفقدان الادوية في الصيدليات وحرمانهم من ودائعهم بعد الخطة الناجحة التي أدت إلى انهيار القطاع المصرفي. ولا ننسى التعليم بكل مراحله الذي أصبح محرماً إلا للميسورين والمحظوظين.

 

وهذه الضوابط وظيفتها أن تواكب عملية نسف عروبة الهوية والانتماء التي تعيق أحلام التوسع وبسط نفوذ محور الممانعة. كذلك أن ننسى أن هذا البلد “المفتعل” كان عضواً مؤسساً وعاملاً في منظمة الأمم المتحدة وملتزماً مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

ولا لزوم في هذه الساحة المباحة لوجود دولة وجمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بدون تمايز أو تفضيل.

 

فالمرحلة الحالية بموجب مصادرة السيادة ترفض رفضاً قاطعاً أن يكون الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية. لذا كان العمل المتواصل والدؤوب لإغتيال مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها. وبعد الرئاسات الثلاث والمؤسسات والإدارات الرسمية، جاء تحديداً دور السلطة القضائية التي بات علنياً قرار “قبعها” من جذورها، لأنها تزعج المرتزقة المرتكبين الذين لا يتوقفون عند أي حدود في سبيل تنفيذ أجندة أسيادهم.

 

وتحديداً ممنوع الغاء الطائفية السياسية او فرز الشعب على أساس أي انتماء كان. فالمطلوب تجزئة المناطق اللبنانية بما يتناسب وأطماع زعماء الطوائف. أما التقسيم والتوطين، فهما قميص عثمان لتجييش الغرائز وفرز الشعب طائفياً ومذهبياً… ليس إلا…

 

بالتالي يصبح العيش المشترك هو عيش السياسيين بين بعضهم البعض وصون كرامتهم من الشعب الذي يهدد عبر وسائل الإعلام هذه الكرامة.

 

وبناء عليه، يصبح مفهوماً وبديهياً العمل على وضع ضوابط جديدة، لا علاقة لها بمقدمة هذا الدستور المنتهك والمغتصب.

 

وبعيداً عن سوء الظن، على السواد الأعظم من اللبنانيين أن يقتنعوا بأن هذه الضوابط هي لمساعدتهم على التأقلم مع هذا البلد بصيغته الحالية، ولحمايتهم من أنفسهم. ويجب أن تضاف إلى جملة الإنجازات التي أتحفنا بها زمن المحور الممانع وتوَّجَها بهذا العهد القوي.

 

ولا لزوم للتوضيح بأن حرية التعبير هي ترف يتناقض مع واقع شعب فقير وجائع وعاجز، يجب أن ينهمك في البحث عن سبل لتأمين ما يمكن تأمينه من وسائل الإستمرار على قيد الحياة، وليس المطالبة بحقوقه كما وردت في مقدمة الدستور.

 

ولأن الكيّ هو آخر الدواء، كان يجب أنهاء الحقبة الرجراجة بين النموذج اللبناني الذي كان يفتح الشهية على الحياة والتنوع، على الرغم من العلل التي شابته، وبين النموذج الممانع الذي يستكمل مشروعه من دم اللبنانيين ولقمة عيشهم وكرامتهم.

 

وتأتي هذه الضوابط كخطوة لا بد منها لمستلزمات هذا المشروع، بحيث لا يقتصر مفعولها على حماية كرامة السياسيين، ولكن ليُلْحِقنا بذلك النظام الذي كان يسأل من يعتقله وهو يطبق على جسده دورة تدريبية في التعذيب: “بدّك حرية ولاه؟؟”.