نادراً ما أخذت مسألة الحريات الإعلامية في لبنان البعد الذي أخذته قضية الصديق مارسيل غانم، والتي بلغت حد «الإنتفاضة» السياسية والشعبية، وذلك على الرغم من محاولة المعنيين غسل أياديهم من أن تكون المسألة قد أخذت بعد كبح جماح الإعلام والإعلاميين في لبنان، الذي كان وما يزال، يمتاز عن سائر دول المنطقة والجوار، بهذا الهامش الكبير من الحريات، الذي دفع عديدين الى اللجوء الى لبنان للتعبير عما كانوا يمنعون منه في دولهم…
لكن، وبكل أسف نقول، ان هناك من يحاول «تسييس» هذه المسألة والقفز من فوق المبدأ الأساس، وهو صون حرية التعبير عن الرأي… وقد دفع لبنان في تاريخه القديم والحديث دماء غالية في معركة الحريات..
التصويب على القضاء من قبل أن يصدر حكمه النهائي لا مبرر له، بل قد يكون في رأي عديدين رصاصة الرحمة على السلطة القضائية، التي يجب أن تكون فوق كل الإعتبارات والولاءات السياسية وغير السياسية منزهة عن أي تدخلات وضغوطات…
من متابعة العديد من المواقف إزاء هذه القضية البالغة الأهمية، تتبدى محاولات عديدين الإصطياد في المياه العكرة، خصوصاً وإن تاريخ البعض من هؤلاء خير شاهد على انهم يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون… لكن هذا هو لبنان؟! فحيث تكون مصلحة هذا الفريق يكون موقفه والعكس صحيح أيضاً؟!.
لا أحد ينكر أن الزميل مارسيل غانم، قدّم طوال مسيرته الإعلامية نموذجاً بالغ الأهمية لرجل لا يقف عند حدود مصالحه الشخصية والإغراءات التي قدمت له… فبقي متمسكاً بدوره وقناعاته في إيصال كل صوت الى الرأي العام ليحكم ويكون له القرار النهائي… وقد وفرت له «المؤسسة اللبنانية للإرسال» الـ (L.B.C) منبراً يتطلع كثيرون ليكون مادة يحتذى بها لدى سائر المؤسسات، من دون المس بالنظام العام والصالح العام والخير العام والأمن العام… كما وبالديموقراطية وحتى المواطن،أي مواطن في إيصال رأيه وصوته…
من أسف أن البعض، ولأسباب لم تعد خافية على أحد، راح يوجه سهامه على القضاء الذي يجمع اللبنانيون على أن يبقى بعيداً عن التسييس… وعندما تكون القضية في عهدة القضاء، فهذا يفترض أنها تتواجد في أيد أمينة… و»في يقيني، على ما قال رئيس الحكومة سعد الحريري، «أن القضاء لن يخذل الحرية وابناءها وان حماة الحرية في لبنان لن يكونوا صوتاً مناهضاً لعدالة القضاء..» من هنا تبدو مسؤولية الجميع، بلا إستثناء، في الإنتهاء من هذا الملف والعمل على صون حرية الكلمة والمعتقد والإعلام لأن ذلك يمثل جوهر لبنان وسر وجوده وبقائه… تماماً كما يحصل مع الشيخ عبد الرحمن الحلو الذي يتعرض لضغوط كثيرة وكل جريمته أنه يدعو الى إسقاط الفواصل بين الأديان والمذاهب ساعياً الى تحقيق المساواة بين الجميع وبين المرأة والرجل كإنسان وفق روحية الإسلام الحقيقي الذي أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.. وعلى قاعدة النص القرآني: «يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء وإتقوا اللّه الذي يتساءلون به والأرحام إن اللّه كان عليكم رقيباً» (النساء -1).
***
الناس بالناس…
قد يكون من الصعب القول أن لبنان دخل مع العام الجديد، مرحلة جديدة… وهو الذي إستلم من العام السابق سلسلة ملفات بالغة الأهمي، طغت عليها مسرحية مرسوم ضباط دورة العام 1994، وشكلت تهديداً فعلياً لما يتطلع اليه اللبنانيون من تماسك بين الرنات الثلاث، بعيداً عن التشنج السياسي، الذي يبدو مصطنعاً في كثير من جوانبه…
يشكو اللبنانيون في غالبيتهم الساحقة، من حجم الضغوطات الإقتصادية والمعيشية، وتراجع قدراتهم لمواكبة حاجاتهم الحياتية الضرورية، ناهيك بما إستجد على مستوى سلسلة الرتب والرواتب، التي باتت تهدد بتطيير السنة الدراسية، وغالبية الأهالي لا يقدرون على سداد أقساط أولادهم، فكيف بما استجد على مستوى تسديد الفرقات…
يتداول الناس، في لقاءاتهم هذه المسائل، ويستحضرون، دولة سيريلانكا، التي تعتبر من أكثر الدول فقراً و «تعتيراً» في العالم، وهي ترسل فتيانها الى الخارج لتوفير لقمة الخبز… ومع هذا، فإن هذه الدولة، توفر لمواطنيها الكهرباء 24-24 والماء الصالح للشرب، ولا ترى في شوارعها ورقة، ولا يضطر المواطن – بسبب فوضى السير- الى أن يقضي ثلاثة أرباع وقتة في الطرقات، ولا تتكدس فيها النفايات، على نحو ما يحصل في لبنان، الذي ضرب رقماً قياسياً بين دول العالم في التخلف عن توفير أبسط الحقوق للمواطنين، ناهيك بالصحة والدواء والإستشفاء حيث يحتاج المواطن الى بيع ما فوقه وما تحته، وما يكون قد ورثه عن أبائه وأجداده لتوفير سرير في المستشفى في حالات طارئة…
لقد إنشغل الأفرقاء السياسيون في لبنان، في غالبيتهم الساحقة بأزمة المرسوم المفتعلة، ولبنان على أبواب الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، وهي إنتخابات ما تزال مهددة بالضياع أو التأجيل مع غياب المخارج والحلول لبعض المسائل العالقة وضغط افرقاء من أجل إدخال تعديلات على قانون الإنتخاب الجديد، خصوصاً لجهة التسجيل المسبق للناخبين اللبنانيين وتمديد مهل تسجيل المغتربين… وغير ذلك؟!
لا يخفي عديدون من الأفرقاء السياسيين قلقهم مما قد تحمله السنة الجديدة، في ظل التطورات الإقليمية القريبة والبعيدة، وما يمكن أن تتركه من انعكاسات في غياب أي إنتاجية جادة للإدارات الرسمية العليا، صاحبة القرار، صغيرة كانت أم كبيرة… الأمر الذي يستحضر كل طلعة شمس المثل العامي القائل: «الناس بالناس والقطة بالنفاس…».