IMLebanon

الحريات.. ثروة لبنان الأهم

 منذ حوالى قرن ونصف القرن حارب اللبنانيون لأجل حرياتهم، ودفعوا أغلى الأثمان للذود عنها. هذه هي حقيقة لا يختلف عليها اثنان، إلا أن الأهم من ذلك هو أن الشعب اللبناني استحقّ ذلك ولم تكن منحة من أحد. منها مقاومة العثمانيين والفرنسيين وإجبارهما على الانسحاب من لبنان. فالتاريخ شهد مراراً أن ليس للبنانيين ثروة أعظم من وحدتهم عندما يتعلّق الأمر بحرياتهم واستقلالهم وسيادتهم. هذا التمرس الطويل والعميق في الحريات جعل من لبنان منتدىً ومنبراً دائمين للحوارات الثقافية، والسياسية، والأدبية، والدينية، في العالم العربي.

كذلك فإن الكثير من المشاريع السياسية الوطنية العربية أبصرت النور في بيروت من خلال منتدياتها الثقافية، وصحفها، ونخبتها، من المفكرين والسياسيين، كان المقهى الواحد يحتضن عشرات الآراء السياسية بألوانها المختلفة تتعايش بتعدديتها وبكل احترام. لذلك لم يكن مستغرباً أن تنتقم إسرائيل لهزيمتها في حرب الـ٧٣ من خلال إدخال لبنان في حربٍ سميت «أهلية» استنزفت ثرواته وقدراته المميزة.

لقد احتضن لبنان قضية الأمة العربية والإسلامية – القضية الفلسطينية – وقدم لها كل إمكاناته، وتحمّل أثقل الأعباء التي نتجت عن ذلك، فكان لبنان المنبر السياسي وصوتاً للأقصى، وكان محطة تخطيط وتدريب وانطلاق العمل الفدائي. كل ذلك كان على حساب الاستقرار الأمني والتنمية الاجتماعية في لبنان.

منذ نشأتها، راهنت المملكة على لبنان وشعبه ودوره وإمكاناته الفكرية، وفتحت أبوابها لكل اللبنانيين من دون أي تمييز، واعتبرتهم شعباً شقيقاً في بلدهم الثاني وبين أهلهم.

لم تتوانَ المملكة في أية فرصة للوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته في أزماته المتتالية، ليس إلا انطلاقاً من الشعور بالواجب ومن دون أية منّة. ولم يكن احتضان المصالحة الوطنية في الطائف سوى واحدة من أهم آيات حرص السعودية على سلم لبنان الأهلي. في المقابل، وفي الوقت الذي تحرص المملكة على المحافظة على لبنان الدولة وهويته واستقلاليته، تتمادى إيران في عملية وضع اليد على مفاصل الحكم كافة، ومصادرة القرارات بواسطة فصيلها الميليشيوي. فمن تعطيل الانتخابات النيابية، إلى قطع الطريق على انتخاب رئيس للجمهورية، مروراً بعرقلة عمل كل المؤسسات، تمعن إيران بإظهار لبنان واحدة من المحافظات الإيرانية، إذ أصبح الأمن استنسابياً ومقيداً، وشلت المرافئ الاقتصادية، وصودر ما تبقى منها.

فبالنسبة لإيران، لبنان ليس سوى ورقة تستعملها تارةً إقليمياً وتاراتٍ دولياً، غير آبهة بالأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي تلحق بلبنان وشعبه. فلا ترى إيران إلا هدفاً واحداً لا غير، ألا وهو زعزعة الاستقرار في لبنان بمصادرة قرار دولته، ليبقى قاعدة إيران العسكرية التي تدار منها العمليات في سورية، واليمن، والعراق، وبل حتى البحرين والكويت.

والمضحك المبكي أنه في الوقت الذي تمعن إيران في المتاجرة بالقضية الفلسطينية، والمزايدة على كل العرب، تحرص على احتكار المقاومة في لبنان، وتمنع تعميمها على رغم طبيعة المجتمع اللبناني المقاوم بكل طوائفه، وقبل انتصار ثورة إيران بعقودٍ كثيرة. كما يقتضي بِنَا أن نسأل لماذا لم ينعم الشمال الإسرائيلي بالأمن منذ سنة ٤٨ كما ينعم به منذ اجتياح تموز ٢٠٠٦ بظل «الضمانات» الإيرانية. علماً أن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ما زالت محتلة من قبل العدو الإسرائيلي.

إن العلاقات السعودية – اللبنانية تاريخية لها جذور متصلة، وبالتالي لن يسمح لحزب ميليشي بأن يخلّ بها ويسيء إليها لتنفيذ الأجندات الثورية لملالي طهران. لذا فإن وقف المساعدات العسكرية للبنان من قبل المملكة لا يعني أبداً تخليها عن لبنان، بل حرص على ألا ينتهي ذاك السلاح بأيدي الميليشيات الإيرانية، في ظل الغياب التام لكل المؤسسات وبالأخص الرقابية منها.

لا تدرك الإمبراطورية الفارسية مدى تعلّق اللبنانيين بحرياتهم، وأن من تصدى لأعتى الاحتلالات عبر التاريخ لن يرضخ لأي مشاريع استعمارية جديدة.

لن يستطيع أحد سلخ لبنان عن محيطه العربي، ولن يستطيع أحد الإساءة إلى العلاقات التاريخية والطبيعية بين لبنان والمملكة وشعبيهما. إلا أننا نرى في المملكة أن لا حل غير أن يمسك اللبنانيون زمام أمورهم الداخلية، ويتسلحوا بثروة لبنان وتعددية نسيجها الوطني، ليحرروا لبنان الدولة ممن خطفها وجرها بطائفية إلى هاوية. ليس لدينا أدنى شك في صدق كلام رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام منذ يومين في مقابلة أجرتها صحيفة «الشرق الأوسط» باعترافه «أن لبنان أخطأ في حق العرب»، ‏والذي عبّرَ عن رأي الأغلبية اللبنانية. ونترقب باهتمام جهوداً لبنانية حثيثة لإصلاح الوضع الراهن بخطوات ملموسة وتأكيد على عروبة لبنان. فالحل في لبنان لمواجهة نفوذ الميليشيات الإيرانية هو بدعم خيار الدولة!