Site icon IMLebanon

حرياتٌ… ومقامات

 

نقولها للمرة الألف. لا تستعاد الهيبة بالقوة، أو باستغلال النفوذ لتطويع القوانين واستخدامها ضد المعترضين.

أمام سرايا جونيه هُدرت يوم الخميس كرامة الجميع. ذلك ان حماقة التحريض لاستدعاء أحد المغرّدين و”اختطافه” على طريقة أنظمة القمع البوليسي، جعلت من المخالفة التي ارتكبها وساماً على صدره ومساهمة في معركة الحريات، خصوصاً بعدما فَضَحَت ثورة 17 تشرين كلَّ مَنْ في السلطة وجَعَلتهم يبدون على حقيقتهم متسلطين ضمن منظومة فساد موصوفة، وفاقدي شرعية لا يستمدونها الا من أمر واقع أو قوة عارية.

تجاوزَ الشاب ميشال شمعون القانون في طريقة التعبير. لكننا نعيش زمن البطالة والجوع وسرقة أموال المودعين والمحاصصة الحقيرة داخل مجلس الوزراء وبين الطوائف الضامنة لهذه الممارسات. ثم يريدون من ميشال أنّ يتأنق في التعبير كأمين نخلة، أو أن يمتلك مهارة ابن المقفع في التورية، فيَحسب لألفاظه ألف حساب ويحفظ المقامات!

أسوأ ما نجم عن المقامرة المتكررة بصورة الرئيس هو الموقف الصعب الذي وُضعت فيه القوى الأمنية أثناء محاولتها منع قطع الطريق وفض احتجاج المواطنين على استمرار احتجاز ميشال في غرفة التحقيق. فالمحتجون سألوا الجنود عن رواتبهم المتناقصة بفعل هبوط عملتهم الوطنية، وعيّروهم بالتقصير لدى حرق وسط بيروت وتكسير الممتلكات وبعدم الجدية في اقفال معابر التهريب. وهي أسئلة محقة ستبقى مطروحة على المؤسسة العسكرية ما دامت تنفذ أوامر سلطة سياسية ليست فاسدة فحسب، بل تفتقد الى الحياد والتوازن في التعامل بين اللبنانيين، وبعض أطرافها يجاهر بالولاء الخارجي والطائفي ويعتبر المؤسسات العسكرية رديفاً للسلاح غير الشرعي. وهي أسئلة تجرّ سؤالاً أساسياً عن مشروعية استخدام القوى الأمنية القوة ضد مواطنين ثائرين يطالبون بحقوقهم الأصلية وباسترجاع المال المنهوب وقيام دولة المواطنة والقانون.

نسي الذين يرتكبون المعاصي باسم الرئاسة والرئيس ان معاركهم خاسرة حين تخاض ضد حرية التعبير. فما زُجَّت الرئاسة بقضايا من هذا القبيل إلا خرجت مكسورة الخاطر، والخطورة تكمن في جرّ النكسات و”سواد الوجه” الى الأجهزة الأمنية والنيابات العامة. فالأولى تخسر إجماع اللبنانيين حولها حين تعتقد نفسها مطلقة اليد وكأننا في نظام عسكري، والثانية تنزلق عموماً لتفْقد صفة “الخصم الشريف” الذي توصف به في دول القضاء المستقل النزيه.

إحترام مقام الرئاسة واجب بالتأكيد. وهو احترام يفرضه القانون، مثلما ان احترام الرئيس للدستور ولحق اللبنانيين بالتعبير ليس منَّة بل أضعف الإيمان. ولِعِلم الجميع، لا مادة في دستورنا اللبناني تنص على “ذات رئاسية” معصومة أو فوق النقد المباح. ميشال عون مواطنٌ رئيس، واجبُه ان يكون قدوة في احترام موجبات قسمه الدستوري. وميشال شمعون مواطن حرٌ تحت سقف الدستور والقوانين.