Site icon IMLebanon

تجميد أم تهدئة؟

لم يطرأ تعديل يذكر على الجغرافيا السياسية منذ اجتياح «داعش» شمال العراق. كل العمليات الحربية والميدانية كانت أقرب إلى تصحيح الحدود أو عدم تجاوزها. القوى الإقليمية التي استنفرت ضد «داعش» تهيّبت الموقف ولم تبالغ في ردة الفعل، ولا القوى الدولية بدّلت من خطابها وخططها. تضخيم الشعار عن إنشاء «تحالف دولي» لم يرافقه الجهد المطلوب لمعالجة القضايا والملفات التي تسمح بالحصار الفعلي لـ»داعش». خطوة سياسية في تشكيل حكومة عراقية، وخطوة أخرى بتغيير المناخ السياسي لليمن. لا المفاوضات الغربية الإيرانية اجتازت النفق الطويل، ولا إقامة تجمّع عربي ركناه مصر والخليج تبلور، ولا مبادرات سياسية إلا حركة الاستطلاع الروسية بحثاً عن «الحل السياسي» الذي كان منذ بدء الأزمة السورية غامضاً ولا يزال.

المسألة السورية طرحت نفسها منذ البدايات على أنها مسألة نظام ومسألة موقع سوريا ودورها في الإقليم. لا حل سياسياً إلا بتقاطع هذين البعدين. لا الداخل السوري لديه تصورات واقعية ولا الخارج كذلك. على الأقل ليس هناك فهم مشترك لعناوين الأزمة أو إقرار بعناصرها. وجه الاختصار والاختزال هو الطاغي لدى جميع الأطراف المعنية والمشاركة في هذه المأساة. هناك من يخفض من مستوى الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهناك من يتجاهل الواقع الطائفي أو التداعيات الطائفية، وهناك من يحمّل دائماً فريقاً من الخارج أسباب الأزمة. فهم المشكلات شرط من شروط حلّها. لا نكاد نعثر على تشخيص موضوعي لطبيعة «المسألة».

لا نسعى إلى تبخيس الأفكار الروسية جدواها، ولو جزئياً، لكننا لا نجد معطيات لكي يعطيها الغرب تفويضاً بالحد الأدنى الذي يفترضه البعض. لا يتفق أي افتراض كهذا مع حالة التوتر الدولية القائمة الآن ومع روسيا بالذات.

تصبح الأمور أكثر جدية في عودة الجميع إلى مجلس الأمن، التحالف الدولي والمعترضون على التحالف الدولي، وهذا موقف روسي ثابت خلال الأزمة. خارج الإجماع في مجلس الأمن لا أدوات ولا وسائل ولا جدية لحل نزاعات بهذا الحجم.

العمل من خلال هذه المؤسسة الدولية فيه ضمانات أكثر من التوجه الأميركي للعمل من خارجها. لم تنضج الظروف الدولية بعد لإحداث تعديلات فعلية في إدارة العلاقات الدولية على نحوٍ آخر. لم تحرز روسيا وإيران شرعية لموقفهما في المنطقة إلا من خلال هذه المؤسسة. ولن يعود العالم إلى الوراء اليوم لتشكيل ثنائية قطبية تتقاسم النفوذ وتنتج التسويات. وهو على أي حال اتجاه معاكس لمصالح الشعوب والدول الصغيرة. وليكن واضحاً أن سوريا لن تستعيد موقعها ودورها في مدى زمني قصير مهما رجحت فيها الخيارات. يحتاج الشعب السوري إلى وقف الصراع في سوريا وعليها، ووقف العنف والتدمير، واستعادة وحدة الكيان والدولة والمؤسسات، والعيش المشترك وإعادة البناء والإعمار المادي والمعنوي. لن يكون ذلك ممكناً من دون تسوية تاريخية تتضافر على تأييدها ودعمها كل القوى الفاعلة.

قد تكون الغارة الإسرائيلية التي استهدفت ريف دمشق أصابت منشآت حيوية أو مخازن أسلحة أو قوافل أسلحة، أو انها أخطأت أهدافها. العبرة من تكرار هذا التدخل الإسرائيلي عدم الخشية من أي رد والحضور المباشر الذي تحدث عنه مندوب الأمم المتحدة في الجبهة الجنوبية. بمعنى آخر لم يستنفد خصوم سوريا أوراقهم لا في الشمال ولا في الجنوب بل هم يلعبون على الحدود اللبنانية ما هو أدهى من الضربات الجوية. لم تكن حادثة عرسال واختطاف الجنود من النوع الذي تقوم به عصابات مسلحة لأهداف محدودة من المطالب. هذه جبهة جديدة تم فتحها من أجل إفشال أي مسعى لتحييد لبنان عن الصراع الدائر في سوريا من خلال الإمساك بالحدود ومنع التداعيات المذهبية. صحيح أننا لا نعرف تفاصيل المفاوضات التي دارت مع الخاطفين وقد تكون الحكومة تعاملت مع الأزمة بأقل من المطلوب، لكن المؤكد أن انقسام اللبنانيين والإرباك الأصلي في تصور العلاقة مع الأزمة السورية هو السبب الرئيس في ما نحن فيه اليوم من استنزاف هيبة الدولة ومحاولة جذبها في هذا الاتجاه أو ذاك إزاء أمن الحدود ومواجهة الإرهاب. فإذا اجتمعت كل هذه العناصر ولا من مبادرات سياسية لحماية لبنان فسيتحول كذلك إلى ملحق إلى تلك الخطط التي تهدف إلى إطالة الأزمة في المنطقة.