قبل حديث النائبة ستريدا جعجع امام عائلة طوق في اوستراليا كانت كل المعطيات تشير الى علاقة ممتازة ومتقدمة بين القوات والمردة مختلفة عن سياقها التاريخي الذي نشأ بين بشري وزغرتا منذ وقوع مجزرة اهدن قبل 39 عاماً، حتى ان المغالين في اعطاء تلك العلاقة زخماً اضافياً وايجابياً ذهبوا الى حدود وضع تصور ونسج تحالف انتخابي محتمل بين الفريقين بناء على معالم الافتراق والخلاف الواقع بين الحليفين السابقين في التيار الوطني الحر والمردة في الانتخابات النيابية في المستقبل، ولان معراب وزغرتا قد تتفقان مع العهد ورئيس الجمهورية إلا ان جبران باسيل خصمهما الاساسي. وقبل ان تقول ستريدا جعجع كلمتها ويخونها لسانها حيال جيران بشري الزغرتاويين فتبادر الى التصحيح والاعتذار بعدها بناء على طلب من المردة كانت كل المؤشرات توحي بحدوث تطور يصعب تحديد أطره حيث بدا ان بنشعي قررت الى حد ما طي صفحة الماضي الأليم وجرح المجزرة وعليه فان العلاقة تدرجت من الأسوأ الى السيىء فالى الستاتيكو الراهن والأخير، انفتاح وتقبل الآخر ولكن بدون مصالحة فعلية ولا ورقة سياسية او ورقة تفاهم، وتقدم في الحوار وزيارات متبادلة لـ«تصفير» عدادات المشاكل، فبعد زيارة المسؤول القواتي طوني الشدياق الى بنشعي، قام الوزير السابق يوسف سعادة موفداً من فرنجية بزيارة معراب وكان الهدف فتح ثغرة في الجدار المقفل للعلاقة التي أقفلت نهائياً في الانتخابات الرئاسية فيما ذهب كثيرون الى اعتبار ان الدافع غير المباشر للتواصل بين المردة والقوات هو الانزعاج من جبران باسيل ومحاولة التضييق عليه وحشره في الزاوية قبل الانتخابات النيابية وخصوصاً ان باسيل بات يطرح نفسه مؤخراً كمرشح للرئاسة مما يجعل الاحصنة الشمالية الثلاثة في مواجهة بعضها بعضاً، وعليه فان لقاءات المردة والقوات في تلك المرحلة وضعت في اطار ازعاج وتوتير التيار الوطني الحر.
عدا ذلك فان المطلعين على اجواء معراب وزغرتا عمدوا الى تسريب ان العلاقة شهدت تبدلاً كبيراً غير مسبوق، مع تسريب ان رئيس القوات ليس بعيداً عن القيام بخطوة تجاه زغرتا قد تفاجىء كثيرين، لكن هذه الخطوة يبدو انها سوف تتأخر او تعطلت كما تقول الاوساط بفعل تصريح ستريدا جعجع، مع العلم ان القوات سارعت الى احتواء موقف النائبة جعجع بعدما طلبت المردة اعتذاراً فورياً فكان لها ما أرادت، فيما اخذ رئيس القوات زمام المبادرة وعالج الخلل على طريقته فاعترف بساعة «تخل» مرت بها منطقة الشمال أدت الى جرح كبير ما كان احد يتمناه وبأن التواصل مع قيادة المردة والقواتيين توصل الى مداواة الجرح.
وعليه يمكن البناء والقول ان تصريح جعجع وفق الاوساط جمد مفاعيل الخطوات الايجابية وما حصل من اتصالات لكن لم يلغها بالكامل، علماً ان للمردة تحفظات كثيرة عن «شطحات» النائبة جعجع اكثر من «الحكيم» الذي يدوزن ويرتب كلامه السياسي تجاه المردة، فالنائبة جعجع ارتكبت «فاولات» كثيرة في فترة «السماح» او الفسحة التي اعطتها المردة للقوات، خصوصاً ان المردة التي دخلت الحكومة من وزارة ألأشغال لم تضع «فيتو» على احد من الاخصام والحلفاء وفي مقدمهم القوات اللبنانية فرئيس المردة كان واضحاً امام قياداته وفي تعليماته للمسؤولين والقيادات الحزبية بتفادي اي خلاف مع القوات او سجال والانفتاح على اخصام السياسة اكثر من الحلفاء وعدم اغلاق ابواب الخدمات امام احد، إلا ان مناوشات القوات لم تتوقف وبقيت اصداؤها تتردد حول حرمان بشري عناية وزارة ألأشغال، علماً ان منطقة بشري نالت ما لم تحصل عليه اي منطقة مسيحية لا بل الاضعاف.
وبعيداً عمّا حصل مؤخراً والذي قد يوقف عقارب الاتفاق لبعض الوقت لاستيعاب الصدمة الزغرتاوية التي حصلت، فان ثمة قواسم مشتركة تحتم عدم وقوع الخلاف بين المردة والقوات في المرحلة القادمة، فالطرفان تجمعهما «مصيبة» جبران باسيل وعدم قدرتهما على استيعابه والتعاطي والتعامل معه خصوصاً ان الفريقين يشعران بطروحات إلغائية ومبطنة من التيار الوطني الحر لهما، فالخلاف على أشده بين وزراء القوات والتيار الوطني الحر ووزراء القوات يطرحون فكرة الاستقالة من الحكومة في مجالسهم، وتيار المردة يشعر بتمدد حليفه البرتقالي الى عقر داره، عدا ذلك فان ما بين الثلاثي باسيل وفرنجية وجعجع معركة الانتخابات الرئاسية وبما ان الثلاثة من الدائرة الشمالية نفسها فان من يكسب في الانتخابات النيابية سيكون المرشح الأقوى للانتخابات الرئاسية عام 2022؟
الا ان الغوص في التفاصيل يظهر ان التفاهم السياسي والاستراتيجي وكذلك قيام تحالف انتخابي بين المردة والقوات عملية صعبة ومعقدة، نظراً للتباعد السياسي بينهما ولأن كل من المردة والقوات لا يمكن له ان يخرج من عباءة تفاهمات 8 و14 آذار، فرئيس المردة لا يمكن ان ينقلب على الحزب السوري القومي، وسمير جعجع لا يمكن ان يخرج من تفاهمه مع الحريري وشخصيات 14 آذار في بعض المواقع. وبالاساس فان التحالفات الانتخابية لم تطرح وغير قابلة النقاش في المدى المنظور بين الفريقين للافتراق بين قواعد الاثنين وللخلافات السياسية والاستراتيجية والانتخابية، وبالتالي فان ما حصل قبلاً لا يعدو اطار «تطبيع العلاقة» ليس اكثر، ولقاءات الوزير سعادة والشدياق لوضعية أرضية تلاق في مكان ما، او زيارة الوزيرين القواتيين التي خصصت لبحث أمور وزارتيهما تعتبران خطوة في مسار طويل يحتاج الى عمل كثير، لكن على ما يبدو فان كلام ستريدا جعجع عطل بعض مفاهيم ما أنجزه التواصل قبلاً، فهل طارت فعلاً المصالحة الزغرتاوية ـ البشراوية التي جرى التداول بها، وهل فعلاً نسفت جعجع سيناريو ما كان يجري وضعه لزيارة تحدث صدمة من «الحكيم» الى زغرتا؟