صحيح أن البطريرك الماروني بشارة الراعي حمل بزيارته الباريسية «شبه اتفاق» مسيحي حول مرشح رئاسي، لا تزال تدور حول ترشيحه الكثير من علامات الاستفهام، تبدأ من حقيقة المواقف الداعمة له، ولا تنتهي بموقفه الشخصي من تبني ترشيحه رسمياً بحال حصل، لكن ما سمعه الراعي في فرنسا لم يكن متوافقاً مع ما كان يرغب بسماعه.
ظنّ البطريرك الماروني أن الموقف الفرنسي من دعم ترشيح سليمان فرنجية مردّه الى بضع صفقات اقتصادية، كما حاول بعض السياسيين والمحللين في لبنان الإيحاء، وبالتالي يمكن إقناع الفرنسيين بتغيير الموقف عبر التأكيد على ان قوى مسيحية أساسية بالبلد لا تريد فرنجية وتدعم مرشحاً آخر، لكن بحسب مصادر متابعة فإن ما سمعه البطريرك الراعي من شرح مسهب لموقف فرنسا من الملف الرئاسي وأسباب دعم سليمان فرنجية، جعله يُدرك أن الموقف أبعد من مساحة لبنان ومواقف القوى السياسية فيه، ويتعلق بالتوازنات بالمنطقة، وضرورة توافق الصورة السياسية في لبنان مع هذه التوازنات، ولعلّ الرسالة الأهم أو النصيحة التي سمعها الراعي في فرنسا، ووردت في بيان قصر الأليزيه هي نقل تشديده على «ضرورة بقاء مسيحيي لبنان في قلب التوازن الطائفي والمؤسسي للدولة اللبنانية».
ليست عابرة هذه العبارة، تقول المصادر، فالراعي سمع مثلها خلال زيارته الى الفاتيكان، فما يجري في المنطقة من تقارب إيراني – سعودي، وعودة سوريا الى الجامعة العربية، ومصالحات عربية – عربية، وبصورة أدقّ، إسلامية – إسلامية وسنية – شيعية، تجعل من القوى المسيحية امام امتحان هام، فإما اللحاق بهذه التسويات أو التموضع والتقوقع والبقاء خارجها.
لطالما أكد الفرنسيون أنهم يتعاطون مع الملف الرئاسي بواقعية، وفهموا كما «الثنائي الشيعي» أن المسار في المنطقة يصب لصالح فرنجية والحلف الذي ينتمي إليه، وهم كانوا الأكثر واقعية عندما طرحوا معادلة رئاسة الجمهورية لفريق 8 آذار، مقابل رئاسة الحكومة لشخصية تختارها السعودية، لكن الطرح جاء في توقيت غير مناسب، لكنه بحسب المصادر ما سيحصل في النهاية، لذلك هم لا يعتبرون التوافق المسيحي على مرشح لمواجهة مرشح الطرف الآخر هو إنجاز بل تعميق في المشكلة، معبّرين عن خشيتهم من تكرار تجربة مرحلة الطائف وما بعده، عندما دفع المسيحيون ثمن التسويات لأنهم اختاروا مواجهتها بدل السير معها، وما يجري في المنطقة اليوم يفوق بأهميته مرحلة الطائف حتى.
في زمن السين – سين، حكم الشيعة مع السنّة لبنان، وكان أحد الأقطاب المسيحيين في السجن والآخر في المنفى، واليوم هناك معادلة جديدة تشبه السين – سين، قد تكون بين إيران والسعودية، أو بين السعودية وسوريا، وحتى بين السعودية وحزب الله، فهل هذا هو التوقيت المناسب لخلق جبهة مسيحية في وجه جبهة إسلامية؟
لا لم يُقنع البطريرك الراعي الفرنسيين بتغيير رأيهم بالملف الرئاسي، لكن يُفترض بعد هذه الزيارة أن ينقل الراعي مخاوف الفرنسيين والمسؤولين في الفاتيكان بخصوص المسيحيين في لبنان ودورهم في بناء مستقبل لبنان.