نصيحة فرنسية للمسؤولين اللبنانيين باستعجال التأليف قبل ان يصبح «سيدر» في خبر كان
المزاج المتقلب في عملية التفاوض يغلب مرونة البعض حول الحصص والحقائب
ما من زائر أجنبي يلتقي المسؤولين في لبنان إلا ويُبدي دهشته واستغرابه لعدم تأليف الحكومة حتى الساعة، والكل في لبنان يشعرون بخطورة هذا التأخير غير المبرر في اعتقادهم على الوضع الاقتصادي والنقدي ناهيك عن المخاطر المتأتية من الأزمات الموجودة في المنطقة والتي تتطلب تحصيناً داخلياً لتأمين الحد الأدنى من مواجهة تأثير هذه الأزمات على الداخل اللبناني.
ولا يقتنع هؤلاء الزوار بأن المشكلة تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية، لا بل انهم يتهمون المسؤولين اللبنانيين بقصر النظر في تعاطيهم مع استحقاقاتهم الداخلية إن على مستوى عمل المؤسسات او مقاربة الملفات اللصيقة بحياة المواطنين.
وحيال ذلك لا يرى الزوار أي حرج في إسداء النصح لكل من يلتقونهم من مسؤولين بضرورة استعجال أمر التأليف قبل ان «تطير» كل الوعود والالتزامات الدولية بمساعدة لبنان، وأبرز هذه النصائح تأتي من المسؤولين الفرنسيين إن مباشرة من قبل الإدارة الفرنسية أو عبر القنوات الدبلوماسية بواسطة السفير في لبنان برونو فوشيه الذي كثف في الآونة الأخيرة من لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، حاملاً إليهم النصائح الفرنسية بأن استعجلوا في تأليف الحكومة قبل ان تصبح مقررات مؤتمر «سيدر» في خبر كان.
وعلى الرغم من أجواء المرونة التي طبعت الخطاب السياسي في اليومين الماضيين والتي كان اخرها ما أعلنه النائب وليد جنبلاط من دعوة إلى التسوية والتنازلات، فإن التناقضات ما تزال هي المسيطرة على مناخ التأليف حيث يُسجّل انقسام واضح في أراء المعنيين بالملف الحكومي بين من هو متفائل ومن هو متشائم، ومرد ذلك إلى المزاج المتقلب الذي يرافق عمليات التفاوض الجارية لفكفكة العقد التي ما تزال تشد على خناق الحكومة وتحول دون ولادتها.
ومع ان المصادر المتابعة لمسار التأليف لا تجد أي تطوّر جوهري بالاتجاه الإيجابي قد طرأ على المواقف السياسية، فإنها لا تجد مفراً من التعويل على مروحة الاتصالات والمشاورات التي سيعود ويجريها الرئيس المكلف مع القوى السياسية في محاولة ربما تكون الأخيرة، قبل ان يلجأ إلى وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بأسمائها بمعنى ان يعلن على الملأ من هي الجهات التي تعرقل مهمته وهو كان وعد من التقاهم في الأونة الأخيرة بعزمه على القيام بهذا الأمر لكي يزيح المسؤولية في عدم التأليف عن اكتافه.
وفي اعتقاد هذه المصادر انه مهما قيل وسيقال في ما خص التأليف، فإن ذلك لن يتم الا في حالة واحدة بأن يقتنع أصحاب الشأن بضرورة اعتماد قاعدة التنازلات في عملية التفاوض، وبالتالي الذهاب إلى التفاهم على التوليفة الحكومية بعيداً عن السقوف العالية في ما خص المطالب، وكذلك بعيداً عن الرهانات الخارجية حيث ثبت بالوقائع الملموسة بأن الواقع اللبناني الداخلي غير مدرج علىاي من الاجندات الإقليمية والدولية، إذ أن بعض الدول المعنية بالملف اللبناني هي ملتهية اليوم بما تعتبره أهم وأخطر من تأليف حكومة في لبنان، ولذا فإنه ليس هناك من بدّ لدى المسؤولين اللبنانيين الا وضع النكد السياسي والنكايات جانباً والذهاب في اتجاه تأليف حكومة تكون قادرة على مواجهة ما هو آت مع قابل الأيام من تحديات واستحقاقات داخلية كانت أم خارجية.
وتستخف المصادر السياسية بعقول من يعتبرون بأن ولادة الحكومة أصبحت قريبة جداً، وأن استنتاجهم هذا مبني على الاتفاق الذي حصل على تأليف الحكومة في العراق، وهي لا ترى ان هناك من رابط بين الاستحقاقين، فالحكومة العراقية لها ظروفها وعواملها، والحكومة في لبنان أيضاً لها الظروف التي تحكم تأليفها، ولذا فإن هذا الربط يأتي فقط من كون ان اللبنانيين اعتادوا على ربط أي موعد لإتمام أي استحقاق بأحداث في غالب الأحيان تكون من نسج خيالهم لا أكثر ولا أقل.
وفي رأي المصادر، ان قطار التأليف ما زال متوقفاً عند محطة الذين يطالبون بأن تكون حصتهم في الحكومة العتيدة بأحد عشر وزيراً وهو ما ترفضه غالبية القوى السياسية التي لا تمانع بأن تكون الحكومة مؤلفة من ثلاث عشرات، وبذلك يقطع الطريق على أي فريق يريد ان يهيمن على القرار داخل مجلس الوزراء، مشددة على ان هذا الطرح ما زال الأقرب إلى الواقع لانتشال عملية التأليف من قعر البئر بغض النظر عن مسألة توزيع الحقائب.
وتخلص المصادر إلى التأكيد بأن المراوحة في التأليف ستتخطى حكماً مهلة العشرة أيام كون ان سقوف المطالب السياسية ما تزال عالية، ولم يطرأ عليها أي تطوّر جوهري، برغم المرونة التي تظهر بين الفينة والفينة من هذا الفريق أو ذاك، اضافة إلى ارتباط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بموعد سفر ليومين إلى أرمينيا بدءاً من اليوم، وكذلك سفر رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى جنيف للمشاركة في أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي.