مشروع استنهاض تركي – قطري في بيروت: البحث عن البديل
تتنازع لبنان تيارات الخارج، بين مصرّ على الانكفاء عن التدخل حدا أدنى والحصار حدا أقصى، وبين راغب في تقديم يد المساعدة لمنع الارتطام الكبير المتوقع قريبا ما لم تتبرّع عواصم القرار بفرض خطوات إنعاش لحظوية وتسكينيّة تتخطى تجاذبات تيارات الخارج ومحاوره ونكاياته، وتقود إلى استقرار نسبي إقتصادي وإجتماعي، في إنتظار الفراغ من خطة التعافي وبدء البرنامج مع صندوق النقد الدولي والذي لن يكون قبل الإنتخابات النيابية.
يُشار في هذا السياق الى أن الحكومة التزمت توقيع مذكرة تفاهم مع الصندوق بحلول 20 كانون الأول، لكن التعطيل الحكومي الذي يصر عليه الثنائي الشيعي ويربطه بقضيتي التحقيق العدلي ووزير الإعلام جورج قرداحي، قد يسقط مهلة الحثّ هذه.
تيار الراغبين في المساعدة يده الى الآن قصيرة. فلا هو قادر على تمويل الخطوات الإنعاشية، ولا هو فالح في إقناع الدول القادرة على تقديم يد المساعدة.
واشنطن وباريس مقتنعتان، على سبيل المثال، بضرورة ترتيب الحد الأدنى الإنعاشي بما يكبح السقوط اللبناني الحرّ. لكنهما على يقين أيضا أن المملكة العربية السعودية لن تتجاوب ومسعاهما، لذا إنتقلا إلى خطة بديلة ليس من المؤكد أنها ستأتي بالثمار المرجوة.
كُلّفت تركيا وقطر بدور على هذا الصعيد، قد يثمر وقد يتعثّر، ربطا بالمقاربة التي ستخرج بها العاصمتان للوضع اللبناني الشائك والمعقّد، وغير القابل الى المعالجات الظرفية.
لم يحمل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو جديدا في زيارته الأخيرة لبيروت، سوى ابداء الرغبة في استضافة انقرة مؤتمرا للنازحين السوريين (العودة الآمنة) سبق أن طرحته في العام 2019 لكنه أرجئ في حينه بالنظر الى جملة عوامل، من بينها انتشار كوفيد 19. كما شدد على أهمية استقرار الأوضاع في العراق وسوريا، لما لذلك من تأثير مباشر على الوضع في لبنان. وتحدث عن التزام استمرار دعم الاستقرار الاقتصادي في لبنان.
لكن تواضع زيارة الوزير التركي لا ينفي أن أنقرة تسعى الى دور طليعي – قيادي في الإقليم ينطلق من فهم الإدارة الرئاسية الأميركية للتوازنات في المنطقة، ولرغبتها – شأنها شأن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما – في انسحاب سياسي وعسكري تدريجي بما يتيح لها التفرّغ لغريميها الإستراتيجيين، الصين وروسيا.
ولا يخفى أن أنقرة تتكئ على الدعم القطري الوفير لتنفيذ رؤيتها الجديدة التي وُلدت على أنقاض فشلها في تطبيق سياسة صفر مشاكل، نتيجة انخراطها الواسع في الصراعات، بدءا من الحرب السورية. لذا تكتسب الزيارة المتوقعة، غير المحسومة بعد، لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى بيروت أهمية واضحة، وهو الذي يزور راهنا واشنطن. وتشير المعلومات القليلة المتوافرة الى أن الوزير القطري قد يدلف الى لبنان مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية، متسلّحا بدعم أميركي، والأهم بخبرة اكتسبتها الدوحة في خوضها غمار تحدي الحصار العربي عليها، وفي ذلك رمزية واضحة ورسائل مشفّرة الى الإقليم المحيط.
إذن، من الواضح التقاطع بين الديناميتين التركية والقطرية، وقدرتهما على التحرك بالنظر الى ما يملكان من هامش واسع إقليمي وغربي، في وقت يتحضّر الرئيس رجب طيب إردوغان الى إستقبال ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي يزور تركيا في 24 تشرين الثاني الحالي، في محاولة لإصلاح العلاقات.
وتأتي الزيارة المرتقبة، إثر إتصال بين إردوغان وبن زايد في آب الفائت، وبعد استقبال أنقرة وفدا إماراتيا برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني في الإمارات، في الشهر نفسه.
كما يلي التطور في العلاقة بين أنقرة وأبو ظبي، الإنفتاح الإماراتي على القيادة السورية عقب استقبال الرئيس بشار الأسد وزير الخارجية والتعاون الدولي عبد الله بن زايد آل نهيان. وعُدّت تلك الزيارة أول اختراق رسمي ومعلن للحصار العربي المفروض على سوريا منذ بدء الحرب في العام 2011.
ولا تحجب انقرة والدوحة الرغبة المشتركة في الإنخراط في مشروع البديل السني في لبنان، مع إدراكهما أن الرئيس سعد الحريري لم يتخذ بعد قرار الإنسحاب من الحياة النيابية، من غير أن يعني ذلك، في حال حصل، استنكاف تيار المستقبل عن خوض الاستحقاق التشريعي.
ويفترض نجاح مشروع البديل أن تستجمع العاصمتان أوراق القوة في الشارع الاسلامي، وأن تجدا الشخص القادر على تجسيد الدور القيادي الجديد والمعد مفقودا، تركياً وقطرياً.
يثير هذا الحراك التركي – القطري القلق عند الكثيرين، وتحديدا أولئك المعَدّون خصوما شرسين للحريري.