باستثناء ما كشفته صحيفة “القبس” الكويتية عن قائمة ممنوعين لبنانيين وسوريين بسبب علاقتهم المباشرة مع “حزب الله” تعاطفا وتنظيما، وإبلاغهم بضرورة مغادرة البلاد، تبدو الجبهة التي اشتعلت قبل أسابيع مع الخليج على خلفية خروج لبنان عن الإجماع العربي، أكثر هدوءاً، فيما بات واضحا أن الاستهداف خرج عن طابع العقاب الجماعي للبنان، حكومة وشعباً، ليصبح أكثر تركيزاً على “حزب الله” ومن يرتبط به مباشرة.
تلاحظ أوساط سياسية بارزة أن الحملة الخليجية على لبنان تراجعت وتيرتها بعدما دخل أكثر من عنصر محلي ودولي للضغط في اتجاه تبريد هذا الموضوع تمهيداً لإعادة تصويب مساره، وسط إجماع لبناني على أن لبنان لا يمكن أن يعيش خارج رئته العربية.
كان واضحا أن الضغط الفرنسي والأميركي في اتجاه المملكة العربية السعودية فعل فعله، إنطلاقا من التشديد على الموقف الدولي الثابت المتمثل بمعطيين أساسيين:
– إن استقرار لبنان خط أحمر ومن غير المسموح العبث به، لما يرتّبه انهيار البلد كآخر بوابة أمام وقف النزوح السوري في اتجاه الغرب، أو كنموذج ناجح للتعايش يحتاج الغرب وأميركا في وجه خاص إلى بقائه حياً وقائما ليشكل مثالا في محيطه.
– التمايز الدولي الواضح بين لبنان حكومة وشعباً وبين “حزب الله” كقوة تأخذ بعدا إقليميا بعد تورطه في سوريا واليمن والعراق والبحرين. ومقاربة الواقع اللبناني بضعفه وعجزه عن الخروج عن نفوذ الدويلة التي تنمو على أطرافه في ظل المعادلة الاقليمية القائمة راهنا. والتمايز المشار اليه بدأ يتبلور أكثر من خلال استمرار التضييق الاميركي على الحزب، ولا سيما في الجانب المالي الرامي إلى تجفيف منابعه المالية.
وتأتي زيارة وزير المال علي حسن خليل لواشنطن ضمن هذا السياق، وفي محاولة لشرح الوضع اللبناني، ولا سيما مع بدء تطبيق قانون العقوبات الأميركي الجديد الذي يستهدف الحزب في شكل مركّز. والزيارة تندرج كذلك في سياق اللوبي اللبناني الذي بدأ قبل فترة مع زيارتين مهمتين لواشنطن، إحداهما على المستوى الرسمي، وقام بها وفد نيابي، والثانية على المستوى الخاص، قام بها وفد من جمعية مصارف لبنان.
وكان لافتا في السياق الدولي عينه، الموقف الأممي الأخير الصادر عن الامين العام للأمم المتحدة بان كي – مون عشية زيارته لبنان ضمن جولة على عدد من الدول المتضررة من أزمة اللاجئين السوريين. إذ توقف المسؤول الأممي عند سلاح “حزب الله” ليؤكد ان هذا السلاح “لا يوفر الحماية للبنان كما يدّعي الحزب بل يقوّض حكم القانون اللبناني ويشكل تهديداً للسيادة والاستقرار”. ورأت الاوساط السياسية البارزة عينها أن مثل هذه المواقف الاميركية والدولية توجه رسائل اطمئنان إلى المملكة العربية السعودية خصوصا ودول الخليج عموما، مفادها أن مسألة “حزب الله” غير متروكة وأن توقيع الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات الدولية عنها لا ينسحبان تسهيلا للحزب ولأنشطته المصنفة في دائرة الإرهاب، في إشارة واضحة إلى التمايز بين الجانبين على رغم الارتباط الوثيق السياسي والعقائدي والاستراتيجي والمالي بينهما.
في المقابل، لا يزال لبنان يدور في دائرة المراوحة والعجز عن التقدم خطوة من أجل استدراك الخطأ الحاصل مع المملكة ودول الخليج، والذي استدعى ردود فعل قاسية عليه. فرئيس الحكومة تمام سلام لا يزال ينتظر تحديد موعد له في المملكة، ولا ينفكّ يوجّه الرسائل التي تعكس تعاطف لبنان مع محيطه ورفضه الخروج عنه أو توجيه الإساءة إليه، لكن، لا مؤشرات إيجابية بعد حيال رفع الحظر عن هذه الزيارة التي يفترض، في حال حصولها، أن تقود سلام إلى جولة خليجية تعيد لبنان إلى حضنه العربي وإلى موقعه المتميز فيه.
وإذا كانت مبادرة القطاع الخاص المتمثلة برغبة الهيئات الاقتصادية في القيام بجولة عربية لشرح الوضع تشكل خطوة متقدمة على طريق خرق الحظر العربي، فإن مشاركة سلام في القمة الإسلامية المرتقب عقدها في تركيا منتصف الشهر المقبل، تشكل مناسبة مهمة لإطلالة لبنانية على دول الخليج، باعتبار أن هذه القمة تضم أكثر من 50 دولة. وفُهم أن سلام سيسعى إلى اغتنام هذه الفرصة لعقد لقاءات جانبية مع القيادات العربية المشاركة من أجل شرح الموقف اللبناني.