يصعب على المسؤولين اللبنانيين، تدبير وادارة شؤون وشجون بلدهم في كل الاستحقاقات، لذا إعتادوا على تلقيّ المساعدات من الدول الصديقة للحلول السياسية، فضلاً عن انّ تناحراتهم وانقساماتهم تشجّع تلك البلدان على ذلك، لذا ومنذ عام تقريباً دخل الفرنسيون على خط المساعدة السياسية، بكل الطرق والوسائل والدعوات الى انقاذ لبنان، كما دخلت روسيا ومصر وجامعة الدول العربية، عبر زيارات مسؤوليهم الى لبنان من دون اي جدوى، بحيث إستمرت الخلافات حتى اليوم وتضمنت إعتذارين من رئيسين مكلفين بتوّلي الحكومة، هما السفير مصطفى اديب والرئيس سعد الحريري، ويبدو الرئيس المكلف الحالي نجيب ميقاتي على الطريق، في حال لم يحصل التوافق المنتظر. لذا عادت باريس لتدخل على الخط من جديد، لان المشهد الحكومي لا يبشّر بالخير، وإن حاول ميقاتي رسم صورة مغايرة لها، اذ لم يعد احد يتفاءل بالخير في ما يخص التشكيلة المنتظرة، إلا في حال حدثت صدمة ايجابية، او معجزة أخرجت الحكومة الجديدة الى الضوء، بعد وضعها في العتمة لما يقارب العشرة اشهر.
لكن ووفق المعلومات، فإن اللقاءات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ستطول، مما يعني انّ السلبية الخفية سترافقها، لذا وإنطلاقاً من معرفة باريس بأجواء الاجتماعات في قصر بعبدا، ومدى سلبيتها وخباياها وكواليسها، دخلت على خط الاتصالات مع بيروت، علّها تنقذ الوضع قبل الانفجار الاخير، عبر تقديم الحلول وتدوير الزوايا التي تناسب الجميع، مع تجديد اعلان الجانب الفرنسي مساعدة لبنان، في ظل كل الانهيارات التي تتوالى على شعبه، لكن شرط تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، مع دعوة باريس المتكررة منذ انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 الحكام اللبنانيين، الى تغليب مصلحة الوطن على مصالحهم الخاصة، وإستشعار الخطر الكبير الذي يطوّق بلدهم، في محاولة لإنتشال السفينة اللبنانية من الغرق النهائي.
الى ذلك يستغرب نائب معارض، محاولات باريس للمساعدة اليوم في الحل الحكومي، على الرغم من عدم مبالاة المسؤولين اللبنانيين منذ اكثر من عام، امام حماستها لإنهاء الخلافات، ودعواتها مراراً الى تشكيل من دون ان يرّف جفن اهل السلطة، مذّكراً بمجيء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، بعد ايام من كارثة المرفأ، لوضع اسس التعاون مع المسؤولين اللبنانيين لإنقاذ البلد، وحينها اعطاهم مهلة زمنية لتنفيذ بنود مبادرة فرنسية، وضعها بين ايدي كل الاطراف السياسيّين، للوصول الى حل لان الوضع لم يعد يحتمل. ومنذ الاول من ايلول الماضي، أي ما يقارب العام تعيش تلك المبادرة على تناحرات المعنيّين بالتشكيلة، في ظل تقاذف الاتهامات والمسؤولية بالفشل، فيما على ارض التصريحات الاعلامية، الكل يؤيد المبادرة ويؤكد العمل وفق أجندتها، لكن زمنها طال من دون ان تصل الى اي خاتمة سعيدة، امل بتحقيقها الرئيس الفرنسي على يده، ومنذ ذلك الحين، لم يتقدّم الملف الحكومي اي خطوة نحو الخط الصحيح، لان الخلاف على الحصص الوزارية تطوّق الحكومة من كل حدب وصوب، فتمنع وصولها الى برّ الامان، فيما تتكرّر الوعود بإعلانها مع كل نهاية اسبوع، لتعود التشكيلة فجأة الى المربّع الاول، فتستقر الاسطوانة الاسبوعية من دون اي صعود للدخان الابيض، كي ينير ظلمة اللبنانيين التواقين الى فسحة امل، ولو ضئيلة في العتمة الحالكة.
وينقل النائب المعارض الإمتعاض الفرنسي مما يجري على الساحة اللبنانية، لذا يكثف الفرنسيون اتصالاتهم لتدوير الزوايا وفك العقد، مع تحذيراتهم الاخيرة من الانفجار الشعبي الكبير، مؤكداً بأنّ ما يهّم باريس هو الشعب اللبناني، وليس المسؤولين اللبنانيين، لذا وبعد كل الكلام السياسي القاسي، الذي قاله ماكرون ووزير خارجيته جان ايف لودريان، وغيره من المسؤولين الذين زاروا لبنان لمساعدته، من دون ان يستطيعوا تحقيق شيء ما، وبعد تأكدهم بأنّ المصالح الخاصة للمعنيّين بالتشكيلة، تطغى على مصلحة وطنهم، إختار الفرنسيون مساعدة اللبنانيين فقط لا غير، وهم لن يتراجعوا عن تلك المساعدة، وفق ما قال له مسؤول فرنسي بارز.