«البزنس» الفرنسي في لبنان لا يؤمِّنه حزب الله وحده .. والصفحة الجديدة تحت الإختبار
أنهى الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بنفسه المبادرة التي سبق أن تبناها وسوّقها سلفه المستشار الرئاسي باتريك دوريل بالنيابة عن الثنائي الشيعي والتي صارت معروفة بثنائية رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والسفير نواف سلام.
ومع نهاية المرحلة الأولى من مهمته، سيعود لودريان إلى الإليزيه والكي دورسي للتقويم ولوضع برنامج عمل واضح ومفصّل سيكون محور زيارته الثانية لبيروت.
سمع من التقى لودريان، وخصوصا من الرافضين للمبادرة الآفلة، أن باريس طوت الصفحة الماضية بكل ملابساتها وأن صفحة جديدة بدأت مع تعيينه موفدا رئاسيا، باشرها بالاستماع إلى القيادات اللبنانية وإلى ما لديهم من معطيات وأفكار ملاحظات، مع تخصيص الوقت الكافي للوقوف على سبب رفض التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ترشيح فرنجية، وللتأكد من أن معارضتهما نهائية ولا عودة عنها وأنها لا تنبع من منطلق شخصي كما حاول الثنائي وسعى الى تصويره. وتبيّن له أن معارضة فرنجية متأتية من عدم قدرته على مواكبة المرحلة الحرجة وإدارتها بكفاءة عالية بما يتواءم مع المشروع الاصلاحي الضخم المطلوب تطبيقه من أجل بدء مسيرة التعافي المالي والاقتصادي. كما سمع أن الإصلاحات الاقتصادية لا تسقط الحاجة إلى اصلاحات سياسية مطلوبة بإلحاح وهي لم تعد من الكماليات، مع توضّح تعثر النظام بصيغته الراهنة التقليدية القائمة على المحاصصة وعلى أفكار وطرائق حكم تتمسك بها منظومة الدولة العميقة ولا تتواءم مع الأولويات اللبنانية.
وأنصت لودريان لمحادثيه وهم يشددون على أهمية بدء حوار جدي ومتوازن ومتكافئ بلا شروط مسبقة، وأن ما يزيده حاجة وأهمية الاستعصاء الحاصل الذي ظهّرته الجلسة الانتخابية الأخيرة، مع لفت نظره إلى أن التقدم المريح الذي تحقق للوزير السابق جهاد أزعور يشكل دافعا حواريا في سياق البحث عن مرشح يحظى بالتوافق ويشكّل جسرا بين الأطراف من جهة، ويحمل مشروعا اصلاحيا واضحا ومقبول عربيا ودوليا.
ما يريح القيادات الرافضة لترشيح فرنجية، أن باريس باتت مقتنعة بعدم جواز تخطي الإرادة المسيحية الراغبة في رئيس إصلاحي، وهو ما سبق أن أبلغه الفاتيكان الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان أحد الأسباب التي حدت به الى إحداث التغيير في طاقم القائمين على الملف اللبناني، الى جانب الأخطاء التي وقع فيها الطاقم القديم وأدت في ما أدت الى اعتراض سعودي على طريقة إدارة الشأن الرئاسي اللبناني.
إصرار الثنائي على أن باريس لا تزال على مبادرتها وتأييد فرنجية لا يحجب الحقيقة المرَّة التي نقلها موفد ماكرون إلى مَن التقاهم
وثمة في محيط ماكرون كلام عالي السقف مختصره أن مقاربة البزنس التي اعتمدتها الإدارة الرئاسية، وفيها تسليم مطلق لمشيئة حزب الله في مقابل أثمان في الغاز والنفط والمطار ومرفأيّ بيروت وطرابلس وغيرها من البنى التحتية، لن تستقيم بالشكل التي طُرحت فيه، وهي غير كافية للإتيان بالرئيس. لا بل قيل أيضا أن المصلحة الفرنسية العليا ليست حكرا على حزب الله وحده أو تتأمّن به وعبره حصرا، فضلا عن أنه ليس مقررا وحيدا في هذه المسائل. وليس أدل على هذه الحقيقة من تعثّر مشاريع البزنس المأمولة فرنسياً في مرفأي بيروت وطرابلس ونوعا ما في المطار، وكذلك في البريد وقطاع الإتصالات. أما المصالح الفرنسية في قطاع الغاز والنفط اللبناني التي تؤمنها شركة توتال إنرجيز (تتحضّر إلى دور استراتيجي ومؤثر لبنانياً وتعدّ أحد الأذرع الديبلوماسية الناعمة الى جانب الناقل البحري العملاق CMA CGM) فلا تستوي حصرا مع حزب الله، لا بل هي عبارة عن مجموعة تقاطعات دولية لا تقوم من دونها، ولا تستمر إلا في سياق حفظ متبادل للمصالح.
بالتأكيد لم ينزل كلام لودريان الناعي لمبادرة سلفه، بردا وسلاما على الثنائي الشيعي الذي لم يخفِ ارتيابه من مهمة الموفد الرئاسي منذ تعيينه وسحب الملف من دوريل وباقي أعضاء الخلية الرئاسية في الإليزيه. لكن إصرار الثنائي على أن باريس لا تزال على مبادرتها وعلى تأييد فرنجية، لا يحجب الحقيقة المرّة التي باتت واقعا فرنسيا نقله لودريان الى من التقاهم. ولا يمكن للرجل المعروف بصراحته وصرامته أن يكون بلسانين على ما أوحى الثنائي في تبريره ما ذهب إليه التيار والقوات من نعي واضح للمبادرة السابقة، واستطرادا لترشيح فرنجية. إذ كان لودريان واضحا في الحديث عن صفحة قديمة طويت، وصفحة جديدة فُتحت يأمل أن تصل الى المبتغى الرئاسي.