لم يتردَّد أحد الأقطاب المسيحيين لدى توسّعه في مقاربة الإستحقاق الرئاسي بالإشارة الى ما تُعبّر عنه الوفود الديبلوماسية الأوروبيّة من قلق على مصير المؤسسات الدستورية أكثر من اللبنانيين انفسهم، وذلك تأسيساً على الفشل في انتخاب رئيس جديد بعد مرور اكثر من 116 يوماً على الشغور. فكيف تمّ التوصل الى هذه القراءة؟
تحت شعارات عدة وبحثاً عن مزيد من المعلومات والمعطيات المتصلة بمستقبل المنطقة ومصيرها، تتزاحم حركة الوفود على الساحة اللبنانية من مختلف دول العالم خصوصاً الأوروبية، وتحديداً أولئك الذين تحوّلت بيروت بالنسبة اليهم بوابة العبور الى دول المنطقة ومكاناً آمناً لكل اشكال التسويات والصفقات التي تعقد في عالم المال والسياسة والإقتصاد والسلاح.
ومن بين الوفود الكبيرة التي زارت لبنان، جاءت زيارة وفدُ لجنة الصداقة الفرنسية – اللبنانية في مجلس الشيوخ الفرنسي الذي جال مطوَّلاً على جميع المسؤولين الرسميين والحزبيين من مختلف الجهات بهدف «التبادل المنتظم ما بين مجلس الشيوخ الفرنسي ومجلس النواب اللبناني»، وفق ما ورد في بيان السفارة الفرنسية.
وعلى رغم الإطار العام الذي رسمته السفارة الفرنسية للزيارة، كشفت مصادر واكبت حركة الوفد أنّ أعضاءه توغلوا في تفاصيل كثيرة تعني السياسة الداخلية في لبنان، ولا سيما ما يتصل بتأثيرات أحداث العراق وسوريا في الساحة اللبنانية.
وتوقفوا ملياً أمام حجم الأزمات الداخلية في لبنان، فعبّروا عن فهم عميق لما يحدث في اكثر من إستحقاق دستوري وسياسي في لبنان خصوصاً ما يتصل بفشل اللبنانيين في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وأوضحت المصادر أنّ الوفد ورغم حرصه على التأكيد في بداية لقاءاته أنّه يزور لبنان لاستطلاع اجواء المنطقة والاستماع الى آراء اللبنانيين – بصراحة المؤتمن على ما يدور في هذه اللقاءات – قد ركّز في اسئلة طرحها أعضاؤه مداورة على معظم القياديين على عناوين اساسية ابرزها:
– أين الخط الأحمر في الإستحقاق الرئاسي وهل تجاوزه اللبنانيون، أم أنّ هناك سقفاً لا يمكن تجاوزه؟
– ما هي المخاطر المترتّبة على ما تشهده المنطقة، على التركيبة اللبنانية جراء الشغور في قصر بعبدا، وما هي تأثيراته في انتظام العمل بالمؤسسات الدستورية؟
– هل سينعكس استمرار الفشل في انتخاب رئيس جديد تمديداً لولاية مجلس النواب؟
– ما هو المطلوب من فرنسا والحكومات الأوروبية لتسهيل العبور بالبلاد من الأزمات القائمة، على رغم أنّ العالم الغربي واوروبا عبَّرا في أكثر من مناسبة عن رفضهما التدخل في ملف الاستحقاق الرئاسي وحرصهما على أن لا ينعكس الأمر على حياة اللبنانيين اليومية وتوفير الحدّ الأدنى من الإستقرار الداخلي.
على هذه الخلفيات توسَّع أعضاء الوفد في لقاءاتهم مع المرجعيات المسيحية، في ما أسماه أحدهم، وهو مشرّع ومرجع دستوري، بالمخالفات الدستورية المرتكبة عندما تجاوز اعضاء المجلس النيابي المهل الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية بحجّة وجود حقّ لمقاطعة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية.
ولفتهم أنّ الدستور الفرنسي للجمهورية الثانية الذي استقى منه الدستور اللبناني مواده لم يشهد ما شهده لبنان ولو لمرة واحدة. فواجب حضور النائب جلسات انتخاب الرئيس لا يوازيه امر مهم وهو لا يخضع للنقاش.
وشدّد أحدهم على أنّ مسؤولية الشغور الرئاسي لا تقع على المسيحيين فحسب، مشيراً الى الخطأ الشائع باستخدام كلمة «الفراغ الرئاسي» في التفسير اللبناني لإحدى مواد الدستور التي تتحدث عن انتقال سلطات رئيس البلاد الى الحكومة مجتمعة، منوّهاً بإصرار اللبنانيين على مشاركة الوزراء مجتمعين في المسؤولية كاملة عند ممارسة صلاحيات الرئيس.
لكن، ما فاجأ بعض القيادات اللبنانية أنّ الوفد سجّل خوفاً كبيراً على مصير التركيبة اللبنانية والدور المسيحي خصوصاً، جراء الفشل في انتخاب رئيس وذكّرهم بمسلسل التنازلات التي قاد اليها هذا الشغور في محطات عدة من التاريخ الحديث. والأخطر كان عند تشديد أحد اعضاء الوفد على ضرورة أن يقفل اللبنانيون آذانهم على الخارج في مقاربة ملف انتخاب الرئيس.
فالعالم لم يعد يفصل بين المسيحي وغير المسيحي، فالمصالح الإقتصادية والإستراتيجية تجاوزت التركيبة الطائفية في أيّ منطقة من العالم، وحلّت محلها أولويات المصالح، الأمر الذي اعتبره بعض القيادات قلقاً يتجاوز قلق اللبنانيين انفسهم على الإستحقاق وموقع الرئيس والمسيحيين معاً.