كانت منطقة الكورة تتمثل بعضو في مجلس إدارة متصرفية جبل لبنان (1861-1918)، ينتخبه مندوبو القرى والبلدات، ليصبح واحداً في نواة مجلس، هو ما يمكن اعتباره جَدّ المجلس النيابي الحالي.
ولم تكن انتخابات الأعضاء تمرّ من دون تدخل الدول الوصية. فنظام المتصرفية هو نتيجة اتفاق بين دول فرنسا وروسيا وبروسيا (ألمانيا لاحقاً) والنمسا، وبين الدولة العثمانية. وتعيين المتصرف الذي يفترض ان يكون مسيحياً “عثمانياً” يجب ان ينال موافقة الدول الوصية استناداً الى ترشيحات تتقدم بها إسطنبول. وينسحب تدخل الأوصياء تالياً على أعضاء مجلس الادارة. فبقدر ما تنال الدولة الشريكة في نظام الوصاية نسبة اكبر من أعضاء “البرلمان اللبناني” بقدر ما تتمتع بنفوذ لدى المتصرف القادر على جعل هذا النفوذ عاماً، قدر ما تسمح به سياسة السلطنة ومستوى تدخل الأوصياء.
في الكورة حصلت معركة انتخابية بين شخصيتين للحصول على مقعد عضوٍ في مجلس الادارة. الاثنان من طائفة الروم الأرثوذكس والفائز كان يتمتع بدعم الفرنسيين، الا ان منافسيه المدعومين من الإنكليز استمالوا المتصرف الى ناحيتهم، فنصح بتنظيم عرائض مناهضة تُرفع الى مقامه بهدف تغيير النتيجة وفرض الانسحاب على الفائز…
لم يترك هذا الأخير طريقاً الا وسلكها من اجل تثبيت فوزه. اعتماده الأول كان على القنصل الفرنسي. زاره مراراً لشرح خطورة “المؤامرة”، وكان الاخير يطمئنه: لا تخشَ شيئاً. انهم غير قادرين على المساس بموقعك.
غير ان التطورات كانت تسير عكس تطمينات القنصل. وعندها تدخل أصدقاء نصحوا العضو المهدد في منصبه بأن يشكو أمره الى القنصل الروسي. وتمّ ذلك.
طمأنه الروسي قائلاً: لا تخشَ شيئاً. غداً نلتقي. وفي الحال أرسل مترجمه الى المتصرف حاملاً رسالة واضحة: عضو مجلس الادارة ينتخب لولاية محددة، فإذا كنت تعتقد بقدرتك على تقصيرها فإن النظام يسري على المتصرف ايضاً، فالذي عيَّنه قادر على تقصير ولايته.
إنتهت المسألة. ثُبِّتَ عضو مجلس الادارة المنتخب، واطمأن المتصرف الى مسيرته المهنية.
كان الروس اميركيي ذلك العصر، والفرنسيون يواصلون تجربة تطوير ديموقراطية الثورة الفرنسية.