عملت الديبلوماسية الفرنسية خلال الايام القليلة الماضية على خط بكركي، فأتت السفيرة الفرنسية آن غريو الى الصرح البطريركي، وفي جعبتها ما يشبه التوضيح وسوء التفاهم الذي بقي من دون عتاب، من قبل البطريرك بشارة الراعي، لكن ظهر الى العلن عبر بعض وسائل الاعلام، التي تساءلت عن سبب غياب بكركي عن لقاءات وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، الذي زار لبنان قبل عشرة ايام، والتقى رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي والرئيس المكلف، مع عدد من شخصيات الحراك المعارض، وغابت عن محادثاته شخصيات بارزة وفاعلة، وعندئذ برزت التساؤلات والتأويلات عن اسباب غياب هؤلاء، فإذا بسفيرة فرنسا تخرق عطلة عيد الفطر وتزور بكركي، ناقلة الى البطريرك الماروني رسالة خاصة توضيحية من الوزير لو دريان، حول نتائج زيارته بيروت وما انتهت اليه الجهود الفرنسية لمساعدة لبنان، في ظل الازمات التي يتخبّط فيها، كما كانت مناسبة ايضاً لإنهاء أي سوء تفاهم حول ما اعتبره البعض تجاهلاً فرنسياً للراعي، فيما كان البطريرك متفهماً في هذا الاطار، لان زيارة الوزير الفرنسي الى بيروت كانت محدّدة مسبقاً، ولم تشمل اكثرية الاطراف كما جرى خلال زياراته السابقة.
مصادر سياسية مقرّبة من الصرح، اشارت الى ان باريس تحرص دائماً على افضل علاقة مع بكركي، نسبة الى دورها الوطني الكبير، مؤكدة وجود تناغم فرنسي قديم جديد بين الطرفين، وبالتالي تناغم دولي مع طروحات البطريرك خصوصاً حول مطلب الحياد. ولفتت الى انّ دور الراعي سيكون بارزاً قريباً، لان زيارات تنتظره لطرح ملف لبنان دولياً، والمطالبة بمساعدته لتخطيّ هذه المراحل الخطرة التي يعيشها، من دون ان تنفي المصادر المذكورة إمكانية زيارة الراعي الى العاصمة الفرنسية، لانها قد تحصل بطريقة فجائية، والموضوع مطروح لكن لم يُحدّد وقته بعد، على ان تشمل جولته دولاً اوروبية اخرى .
ورأت المصادر عينها، انّ فرنسا ستؤدي دوراً بارزاً مطلع الشهر المقبل، بالتزامن مع ترؤسها مجلس الامن، وإمكانية طرحها للملف اللبناني وبروز حلول له، لانها الدولة الصديقة التي نعوّل عليها، وهي تؤدي هذا الدور منذ اشهر، لكن تعنّت وتناحرات المعنيين بالتشكيلة الحكومية تمنع الحل المنتظر، فيما هي لا تزال تحارب ديبلوماسياً علّها تصل الى الحل المنشود، فتُخرج الشعب اللبناني من المعاناة التي يعيشها، آملة أن تكون رئاستها المرتقبة لمجلس الامن خطوة كبيرة تصّب في مصلحة لبنان، بدءاً بالتأليف الحكومي من خلال مجلس وزراء من المنقذين وواضعيّ الخطط الاقتصادية والنقدية والاصلاحية، لجلب المساعدات وانتشال لبنان، قبل المحطة الاخيرة من انزلاقه نحو الهاوية المحتمة، والانطلاق بخارطة طريق لإعادة النهوض بالبلد.
وعلى خط الحراك الديبلوماسي الفرنسي ايضاً، زيارة الى بعبدا من قبل السفيرة غريو، تسملّت خلالها رسالة خطية من رئيس الجمهورية ميشال عون، الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول التطورات الاخيرة، بحسب ما افيد رسمياً، ولكن على خط الكواليس السياسية، تبيّن أنّ الرسالة حملت شكاوى بالجملة ضد الرئيس المكلف سعد الحريري، وما يقوم به في اطار العرقلة الحكومية بحسب ما تراه بعبدا، بحيث حاول الرئيس عون إيضاح الصورة الحكومية كما رسمها بيت الوسط، ودائماً وفق ما ذكرت مصادر الكواليس السياسية، التي لفتت الى انّ الانطباعات التي عاد بها الوزير لودريان، لم تكن متوافقة مع بعبدا والتيار الوطني الحر والحلفاء، وقد اتت الرسالة في توقيت زمني لافت، وهو الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي الى دول الخليج، وتشمل المملكة العربية السعودية حيث سيلتقي ماكرون وليّ العهد محمد بن سلمان، وبالتأكيد سيكون لبنان من ضمن محاور حديثهما.
وفي اطار التوافق الفرنسي ايضاً مع المسؤولين اللبنانيين، زارت السفيرة الفرنسية رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ولم يغب عن اللقاء التبرير بعدم شمله ضمن لقاءات لو دريان، أي ان غريو عملت على مدى الايام الاخيرة على خط إرضاء بعض المسؤولين اللبنانيين، فقابلها جنبلاط بجهد ومسعى لتسهيل عملية التأليف الحكومي، وبأنه مع المبادرة الفرنسية، والطرق السياسية ستبقى مفتوحة بينهما، مع سماعه بعض العبارات المطمئنة من غريو، بأنّ باريس لا تشمل جميع المسؤولين اللبنانيين ضمن خط العرقلة والعقوبات، لانها تعرف جيداً هوية المعرقلين الحقيقيين.