Site icon IMLebanon

حراك دبلوماسي فرنسي لتوفير شبكة أمان للبنان في حال نشوب حرب إقليمية مفتوحة

 

 

تعيش فرنسا، هذه الأيام، على وقع فعاليات الأولمبياد الذي تستضيفه منذ 26 يوليو (تموز) الماضي، وأنظارها مشدودة لما يجري في أحواض السباحة ومضامير الخيول ومباريات الجمباز، وتألق فرقها في العديد من الرياضات والحصاد الاستثنائي للميداليات التي فازت بها.

وتبدو فرنسا كمن يعيش في عالم منفصل مع الأولمبياد والعطل الصيفية، وفي ظل حكومة مستقيلة تصرف الأعمال العادية ومسؤولين همهم الأول مواكبة الانتصارات الرياضية. بيد أن استفحال أزمات الشرق الأوسط واحتمال نشوب حرب إقليمية، حيث تعيش المنطقة برمتها فوق برميل بارود على وقع التهديدات المتبادلة، رفعا المخاوف الفرنسية من انعكاسات حرب مفتوحة على لبنان.

 

وإزاء ما تعده مصادر رسمية فرنسية «خطراً جدياً» لاشتعال الشرق الأوسط بين إيران وحلفائها من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، لم يكن بوسع الدبلوماسية الفرنسية أن تبقى متفرجة. وبدأت تتحرك على أكثر من صعيد محاولة ضمن إمكاناتها المساهمة، ليس في إطفاء الحريق، بل على الأقل الحد من توسعه.

 

ليجري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مباحثات هاتفية مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات حول الوضع في الشرق الأوسط، ودعوا جميعا كافة الأطراف الى التحلي بحس المسؤولية وضبط النفس، وانه لا مصلحة لأحد في تصعيد {الوضع}.

 

وثمة مؤشر لا يخطئ على القلق الفرنسي المتصاعد، وهو طلب باريس من رعاياها، وغالبيتهم من مزدوجي الجنسية الفرنسية – اللبنانية، الخروج من لبنان «لدى أول فرصة»، وتجديد الإصرار على عدم التوجه إليه. فخلال التجارب الماضية، لم تكن باريس تطلب منهم أمراً كهذا إلا في الحالات القصوى.

 

وتترقب باريس ما سيقوله أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، بمناسبة مرور أسبوع على مقتل القائد العسكري للحزب وسط توقع عام أن يكون الرد «قادماً حتماً»، كما سبق وقال نصر الله، الذي لم تفته الإشارة إلى أن المعركة مع إسرائيل «مفتوحة على كل الجبهات».

وتعمل الدبلوماسية الفرنسية على خطين: الرئيس إيمانويل ماكرون من جهة، ووزير خارجيته ستيفان سيجورنيه (المستقيل) من جهة أخرى. اللافت أن ماكرون حرص بمناسبة مرور أربع سنوات على تفجير المرفأ، الذي دمر أحياء كاملة في بيروت وأوقع 220 قتيلاً وآلاف الجرحى، على التذكير بـ«التزام فرنسا الثابت» تجاه لبنان. وواضح أن الالتزام المذكور يرتدي اليوم أبعاداً أكبر وأوسع في ظل الوضع الراهن جنوباً.

 

وكتب الرئيس الفرنسي، الأحد، على منصة «إكس»: «تحية من قلبي إلى بيروت. فبعد أربع سنوات من الانفجار، لا تزال أفكاري مع اللبنانيين». وأضاف: «أؤكد مجدداً التزام فرنسا الثابت إلى جانب لبنان ومطالبتنا بالعدالة لجميع الضحايا». تجدر الإشارة إلى أن ماكرون كان أول رئيس أجنبي يزور لبنان بعد التفجير، لا بل زاره مرة ثانية بداية سبتمبر (أيلول) 2020، وفي المرتين طرح خطة إنقاذ اقتصادي ومالي وسياسي للبنان، إلا أن الطبقة السياسية اللبنانية تعاملت معها بخفة صادمة.

 

ولم يعد هم باريس اليوم ملء الفراغ المؤسساتي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد فراغ قارب العامين، أو مآل التحقيقات في «انفجار العصر»، بل كيفية درء المخاطر الكبرى ونزع فتيل التفجير الإقليمي، وتشكيل شبكة حماية للبنان. ففي البيان الذي وزعه قصر الإليزيه عن الاتصال، جاء أن ماكرون والملك الأردني عبد الله الثاني «أعربا عن قلقهما العميق إزاء التوترات المتصاعدة في المنطقة، وشددا على ضرورة تجنب التصعيد العسكري الإقليمي بأي ثمن». كذلك «دعَوَا جميع الأطراف إلى التخلي عن منطق الانتقام والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس والمسؤولية من أجل ضمان سلامة السكان».

 

وبخصوص لبنان، حرص ماكرون، وفق بيان الرئاسة، على تأكيد «التزام فرنسا بالمساهمة في الجهود الدبلوماسية لخفض التصعيد، لا سيما على الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل» الذي حددته الأمم المتحدة في عام 2000، وأنها «ستبقى جاهزة في إطار اليونيفيل ومن أجل دعم استقرار لبنان».

 

وجاء في البيان أيضاً أنه نظراً للوضع المتوتر إقليمياً، فإن وقف إطلاق النار أصبح أكثر إلحاحاً ما من شأنه إطلاق سراح الرهائن، ووضع حد لمعاناة سكان غزة وإيصال المساعدات الكثيفة. ولم يغب عن ماكرون وعبد الله الثاني التذكير بـ«القلق الكبير» إزاء الوضع الحرج في الضفة الغربية، فضلاً عن انخراط البلدين في العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين للبحث عن «رؤية مشتركة للسلام تقوم على حل الدولتين».

حراك دبلوماسي بلا أوراق ضاغطة

ترى مصادر دبلوماسية عربية في باريس أنه لا يمكن الفصل بين تواصل ماكرون مع ملك الأردن، وبين المشاورات التي أجراها وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في طهران بطلب من الملك، رغم أن الصفدي نفى أن يكون حاملاً رسالة من إسرائيل أو سيحمل إليها رسائل، وأنه عمد إلى توضيح موقف الأردن وحيادية أجواء بلاده. وينتظر أن يواصل ماكرون مشاوراته مع قادة عرب وأوروبيين في الساعات والأيام المقبلة. وسبق له أن تشاور مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني فيما لا يستبعد اتصاله بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مرة أخرى بعد اتصال جرى بينهما يوم 29 يوليو (تموز)، أي بعد حادثة مجدل شمس.

 

بيد أن مصدراً سياسياً فرنسياً، وعلى رغم تنويهه بالجهود الدبلوماسية التي تقوم بها باريس، عدَّ أن فرنسا تعوزها الوسائل التي تمكنها من التأثير عملياً على الطرفين الرئيسيين، وهما إسرائيل وإيران. ومع ذلك، فإن فرنسا، التي لها ما لا يقل عن 700 جندي في إطار القوات الدولية «يونيفيل» تسعى من خلال التواصل مع شركائها الأوروبيين والإقليميين إلى إيصال مجموعة رسائل تدعو كلها إلى منع الحريق الإقليمي.

 

خطة «تبريد» الجبهة

بموازاة ما يقوم به ماكرون، برز حراك وزير الخارجية الذي رجحت معلومات متداولة في باريس زيارته إلى لبنان خلال هذا الأسبوع. وسبق له أن زار لبنان مرتين (في يناير/كانون الثاني وأبريل/ نيسان من العام الحالي) للتسويق لخطة «تبريد» جبهة المواجهة بين «حزب الله» وإسرائيل منذ أن انطلقت حرب «المشاغلة» أو «الإسناد» التي يقوم بها الأول لدعم غزة. وكان لبنان قد وافق على الخطة الفرنسية بعد تعديلات طفيفة فيما لم ترد عليها إسرائيل رسمياً. بيد أن الخطة لم تجد طريقها إلى التنفيذ لسبب رئيسي قوامه أن «حزب الله» يربط، حتى اليوم، بين حرب غزة وحرب «الإسناد»، وطالما لم تتوقف الأولى فإن الثانية ستبقى قائمة. ويوم السبت، تشاور سيجورنيه مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن حول الوضع في الشرق الأوسط، ودعيا لـ«أقصى درجات ضبط النفس» فيما تواصل واشنطن تعزيز حضورها العسكري في المنطقة «لضمان أمن قواتها والدفاع عن إسرائيل»، وفق وزارة الدفاع الأميركية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن الوزيرين يتشاركان «القلق في مواجهة تصاعد التوترات» في المنطقة، وأنهما «اتفقا على مواصلة دعوة كل الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس بهدف تفادي أي تصعيد إقليمي قد تكون له تداعيات مدمّرة على دول المنطقة».