لو لم تكن زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية على درجة من الأهمية، لَما كان الرئيس سعد الحريري قد عاد لساعات معدودة إلى بيروت للقائه في قصر الصنوبر، ثم غادر مجدداً في سفرة عمل. الرئيس الحريري كان قد وصل نهاراً وأجرى سلسلة اتصالات ولقاءات بقيت بعيدة من الإعلام، إلى حين موعد لقائه الدبلوماسي الفرنسي.
صحيح أنَّ البيان الذي صدر عقب اللقاء كان عمومياً، وهو أكد أنه تخلل اللقاء عرض للجهود الجارية لوضع حد للفراغ في رئاسة الجمهورية والإتصالات الدولية التي تجريها فرنسا والمساعدات المطلوبة للبنان لمواجهة أعباء النزوح السوري إلى أراضيه، كما لتدعيم الدولة اللبنانية ومؤسساتها والحفاظ على استقرار لبنان في ظل المخاطر الإقليمية والإرهابية المحيطة، لكن المعلومات المتوافرة تُشير إلى أنَّ الرئيس الحريري أكد للجانب الفرنسي على ضرورة أن تواصل باريس مساعيها التي بدأت فيها منذ مباركة ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجيه، مروراً بالإتصال الذي أجراه به، وصولاً إلى اللقاءات في قصر الصنوبر.
***
لكن الدبلوماسية الفرنسية ليست اللاعب الوحيد في ملعب الرئاسة اللبنانية، وهذه الحقيقة تُدركها الأم الحنون قبل غيرها، فالأمور تغيَّرت وموازين القوى تبدَّلت، وبات ملف رئاسة الجمهورية في لبنان أشبه بلوحة بازل تكاد كل قطعة أن تكون في عاصمة ما، وحتى الآن ليست هناك من قوة عظمى تستطيع تجميع هذه القطع لإنتاج لوحة رئاسة الجمهورية.
***
وهكذا بعد مغادرة رئيس الدبلوماسية الفرنسية بيروت، ستعود الملفات إلى ترتيبها المعهود لكن ليس بالزخم الكافي، لأنَّ المعنيين بها يُدركون أن القدرات أقل من المعالجات، فالحكومة بمجملها تترنَّح تحت عجز المماحكات والمعاكسات بين الوزراء بعضهم بعضاً، والملفات تتراكم من دون أن يكون هناك بصيص أمل لإنجازها. ولئلا يعتبر البعض أن هناك مبالغة في ما نكتب، فإنه يكفي تعداد الملفات العالقة ليتأكد الجميع أن الملفات تُفتَح مصادفة وتُقفَل على زغل من دون أي معالجة حقيقية:
فملف قانون الإنتخابات النيابية ما زال يُجرجر من دون أية نتيجة ملموسة، ولإنعاش الذاكرة فإنَّ الحماسة لإنتاج قانون جديد كانت بدأت قبل عام تقريباً، مع التمديد الثاني للمجلس، لكن هذه الحماسة خفُتت وعاد النواب إلى المراوحة والتلكؤ، فكانت النتيجة أن لا قانون جديداً في الأفق وأنَّ الخيارات المطروحة للسنة المقبلة، هي إما قانون الدوحة المنبثق من قانون الستين وإما تمديدٌ ثالث، وربما هذا ما يريده النواب وإنْ كان معظمهم يتبرأون منه.
الملف الثاني العالق هو ملف جهاز أمن الدولة، فبعد حل نصف المشكلة بخروج نائب رئيس الجهاز إلى التقاعد، فإنَّ النصف الآخر من المشكلة ما زال قائماً، حيث أنَّ رئيس الحكومة ما زال يرفض دعوة رئيس الجهاز إلى الإجتماعات الأمنية، كما يواصل الإيعاز لوزير المال عدم صرف مخصصات الجهاز والإيعاز للأجهزة المختصة عدم تسليمه داتا الإتصالات التي يطلبها.
***
في ظلِّ هذه المعايير والإعتبارات، فإنَّ لبنان سيبقى في قلب المتاعب، والأخطر من كل ذلك أنَّ هذه المتاعب لا أفق لها ولا… قعر.