في الوقت الذي يستمر فيه التصعيد في وتيرة العدوان «الإسرائيلي» على لبنان، من المتوقع معاودة الحراك الديبلوماسي على خطّ وقف إطلاق النار، والعمل على تنفيذ القرار الدولي 1701، في ظل جلاء غبار الصورة أميركياً من جهة، واستئناف باريس لمبادرتها، من أجل التهدئة في لبنان كما في غزة من جهة ثانية، وهو ما بدا جلياً عبر التواصل الفرنسي مع واشنطن في الساعات الـ48 الأخيرة، والتي تتوقع مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع، أن تكون لها أصداءً فاعلة، انطلاقاً من الجدية في الجهود الديبلوماسية المبذولة في هذا الإطار.
وبمعزلٍ عن نجاح المبادرة الفرنسية الجديدة، والتي تتزامن مع وصول مرتقب للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، تنقل هذه المصادر معلومات من العاصمة الفرنسية، تفيد بأن وقف إطلاق النار من ضمن صيغة يجري العمل عليها حالياً بين الرئيس إيمانويل ماكرون والرئيس جو بايدن، تختلف عن المبادرة السابقة التي كانت قد طرحت على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويوك، ولم تلق أي أصداء إيجابية لكي تبصر النور.
ولذا، فإن هذه المصادر تتحدث عن تحوّلٍ في المقاربة الديبلوماسية الغربية والتي تختصر توافقاً دولياً، وليس فقط فرنسياً أو أميركياً، على إنهاء العدوان والانطلاق نحو مرحلة من التفاوض على قاعدة القرار الدولي، الذي يركّز عليه لبنان الرسمي منذ بدء عملية التفاوض مع الموفد الأميركي، أو مع كل الديبلوماسيين الأوروبيين والعرب، الذين كانوا زاروا بيروت خلال أيلول الماضي.
لكن هذا الزخم الديبلوماسي الدولي، ما زال يصطدم برفضٍ «إسرائيلي» لأي وقف للنار، على الأقل في اللحظة الراهنة، وذلك بسبب واقع الانقسام الداخلي والإرباك نتيجة الضربات التي لا تزال تسجلها المقاومة، حيث لا تنكر المصادر الديبلوماسية، أن الأبواب غير موصدة بالكامل أمام احتمال التسوية، وخصوصاً أن الإدارة الأميركية لا تزال تسعى لتحقيق الإنجاز الأخير لها في الأسابيع القليلة، التي تفصل عن تسلّم الرئيس دونالد ترامب السلطة.
وفي هذا السياق، تكشف المصادر عن توتر ملحوظ قد سُجِّل أخيراً بعد سقوط المبادرة الأميركية، والتي شاركت فيها فرنسا من أجل وقف النار في جنوب لبنان، إذ تشدّد على أنه كان من الممكن أن تسلك طريقها نحو الترجمة، لو أن واشنطن مارست ضغطاً فاعلاً وجدياً على بنيامين نتنياهو. وبالتالي، فقد بادرت إدارة بايدن إلى تعزيز الدعم العسكري والمادي له، ما سمح بتصعيد عدوانه وتفلّته من أي قواعد سبق وأن حكمت جبهة الجنوب، إلى أن كان العدوان الموسّع اعتباراً من أيلول الماضي.
وعليه، فإن المرحلة الانتقالية اليوم في البيت الأبيض، قد تحمل نوعاً من التحوّل في التصميم الأميركي على دعم جهود ماكرون، قبل وصول ترامب إلى الحكم، ذلك أن المصادر ترى أن نتنياهو الذي لم يُعِر اهتماماً لكل المبادرات الديبلوماسية السابقة، قد يلجأ إلى استغلال الوقت قبل حلول الخامس والعشرين من كانون الثاني المقبل، من أجل مواصلة «التوحّش» في عدوانه على لبنان، وهو ما استدعى استنفاراً فرنسياً على أعلى المستويات باتجاه واشنطن وبايدن، بدأ منذ مدة وتسبّب أخيراً بالإشكالات الديبلوماسية بين نتنياهو وفرنسا، التي تدل على العلاقات المأزومة على خطي باريس وواشنطن، كما باريس والعدو «الإسرائيلي».
والأخطر في هذا المجال، تكشف عنه المصادر التي تشير إلى طرح صريح للمشكلة، والتي تتمثل بالدعم الأميركي المستمر، بصرف النظر عن هوية الرئيس في البيت الأبيض، لأن الجهود الفرنسية ومعها الأممية والدولية كما الإقليمية، قد عجزت عن إرساء وقف النار بسبب هذا الدعم الأميركي، الذي كان قد سجّل عشرات المحاولات والجولات التي قام بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن في المنطقة، من دون الوصول إلى تحقيق ولو هدنة إنسانية في غزة.
وانطلاقاً ممّا تقدم، وعلى مستوى المعطيات الحالية لدى الإدارة الفرنسية، لا تخفي المصادر الديبلوماسية، أن ظروف التوصل إلى وقفٍ للنار ليست معدومة وإن كانت ضئيلة، سيما أن الإدارة الأميركية على وشك الرحيل، ولكن المصادر تلفت إلى أن تحقيق إنجازٍ نوعي قد يكون ضرورياً ولو من أجل تسجيل موقف تاريخي، وهو ما تسعى باريس لتوظيفه من أجل التسوية.