Site icon IMLebanon

الفرنسيون: إنتخابات والّا عقوبات.. وهكذا عاد الخليجيون

 

 

يبدو أنّ خيبات الفرنسيين التي تلاحقت في لبنان منذ ولادة مبادرتهم الشهيرة بعد انفجار مرفأ بيروت، لم تدفعهم بعد الى الاستسلام، بل لعلّها دفعتهم الى ان يصبحوا أكثر واقعية في التعاطي مع الملف اللبناني الشائك، وسط تأكيد القريبين من الاليزيه، انّ هذا الملف سيبقى من أولويات ايمانويل ماكرون إذا فاز في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

تحت هذا السقف، نشطت في الآونة الأخيرة المساعي الفرنسية على خطوط إعادة ترميم الجسور بين الدولة اللبنانية والخليج، وإنضاج ظروف الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، وتثبيت تاريخ الانتخابات في أيار المقبل.

وتؤكّد مصادر ديبلوماسية فرنسية، انّ الانتخابات النيابية يجب أن تتمّ في موعدها، «وهي ستكون اختباراً لجدّية السلطات وصدقيتها».

َوتلفت المصادر، الى أنّ المجتمع الدولي موحّد إزاء هذه المسألة، «وهو يشدّد على وجوب ان تحترم السلطات الرسمية التزاماتها وتعهداتها حيال اللبنانيين»، موضحة انّ مجموعة الدعم الدولية للبنان التي تضمّ بين أعضائها روسيا والصين، تشكّل جزءاً من هذا الإجماع على أهمية حصول الانتخابات في الوقت المحدّد لها.

وفي رسالة تنبيهية، تشير المصادر الديبلوماسية الفرنسية الى انّه سبق للاتحاد الأوروبي أن وضع في الصيف الماضي إطاراً للعقوبات الممكنة على لبنان او مسؤوليه، «وهناك بند ضمن هذا الإطار يلحظ من بين حالات عدة، انّه في حال عرقلة او تأجيل إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، فإنّ ذلك سيؤدي الى فرض عقوبات أوروبية، وبالتالي تنفيذ هذا البند ممكن إذا حصل أي إخلال بالاستحقاق الدستوري».

ووفقاً لمقاربة المصادر، ليست هناك أي عوائق أساسية يمكن أن تعوق حصول الانتخابات، لافتة إلى انّ المجتمع الدولي وافق بطلب من الحكومة اللبنانية على المساعدة في تنظيم الانتخابات، «وضمن هذا السياق دفعت المجموعة الاوروبية 7 ملايين يورو للأمم المتحدة، التي هي شريكة للحكومة اللبنانية، ونظن انّ هذا المبلغ كافٍ لتأمين الاحتياجات اللوجستية، كذلك عملنا للتحقق من انّ الموازنة التي خصّصتها الحكومة لإجراء الانتخابات والبالغة قيمتها 15 مليون دولار سيتمّ تأمينها، علماً انّ هذا المبلغ ليس مستعصياً وهو متوافر في لبنان، على رغم الصعوبات الحالية التي يعاني منها».

وبينما يخشى البعض من تعذّر او تعثر مشاركة المغتربين في العملية الانتخابية، تلفت المصادر الديبلوماسية الواسعة الإطلاع الى انّ اقتراع المغتربين هو مهمّ جداً، «وعلى وزارة الخارجية ان تضع الآلية اللازمة لذلك»، معتبرة انّ هذا الأمر ليس مستحيلاً وهو يحتاج فقط الى التنظيم والدقة، «والمجتمع الدولي قدّم المعونة الضرورية في هذا المجال، والظروف الأمنية جيدة، وبالتالي نحن فعلنا كل ما يتوجب فعله لإجراء الانتخابات في موعدها، وإذا لم تحصل سيكون ذلك كناية عن تعطيل سياسي».

وعلى وقع توقعات باحتمال انخفاض نسبة التصويت، تدعو المصادر الديبلوماسية الفرنسية اللبنانيين، الى الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم كما يريدون، «فلا تخطئوا في اختيار معارككم، والمعركة الأساسية لكم يجب أن تكون الاقتراع، ولا تقولوا ليست هناك جدوى من ذلك».

وتتعاطى المصادر الديبلوماسية الفرنسية البارزة بواقعية مع النتائج المرتقبة، مشيرة الى انّه لا يمكن تغيير الطبقة السياسية من عملية انتخابية واحدة، هي ليست سوى مرحلة أولى من دورة متكاملة تشمل أيضاً الانتخابات الرئاسية ثم البلدية، «وهذا الأمر ينطبق على لبنان كما على غيره». وتضيف: «فرنسا لا تراهن على الانتخابات النيابية لاستبدال طبقة موجودة منذ أربعين عاماً، وليست لدينا اي أوهام في هذا الصدد، إذ في أغلب الأحيان يحصل التغيير تدريجياً وليس مرة واحدة، لكن الانتخابات قد تؤدي إلى توليد ديناميات سياسية وفرص جديدة. ولذا نشجع على المشاركة فيها بكثافة».

اما الموقف الفرنسي من مجموعات المجتمع المدني، فتشرحه المصادر الديبلوماسية عبر الإشارة الى انّ هناك نوعين من الجمعيات: «فئة ليس لديها أي التزام سياسي، وهي موجودة على الأرض لإطلاق مبادرات خارج الأحزاب والمرجعيات الدينية، من أجل مساعدة اللبنانيين في هذه الظروف الصعبة وهي مصدر قوة للبلد. اما الفئة الثانية فتضمّ حركات ومجموعات سياسية انبثقت من رحم الثورة، ونحن نحاور ممثليها وندعمهم ونصغي إليهم على رغم انقساماتهم، وقد حرصنا على الاعتراف بحضور تلك المجموعات التي تعطي انطباعاً بأنّ لبنان دولة متنوعة».

وبالنسبة الى الدور الفرنسي في تسهيل عودة السفراء الخليجيين، وفي طليعتهم السعودي، إلى لبنان، تكشف المصادر الواسعة الإطلاع، انّ باريس ساهمت في تأمين الشروط الضرورية او البيئة المناسبة لعودة هؤلاء السفراء. موضحة انّ الديبلوماسية الفرنسية قامت بوساطة لنزع فتيل التوتر بين لبنان والخليج، وعملت على تأمين كافة الشروط اللازمة لضمان عودة السفراء.

وتلفت المصادر إلى أنّ الخليجيين هم شركاء استراتيجيون لفرنسا، «وقد نجحنا عبر الحوار المفيد والعمل الدؤوب في تفادي أي تصعيد إضافي في العقوبات الخليجية على لبنان الذي يواجه وضعاً هشاً».

وتكشف المصادر الديبلوماسية الفرنسية، انّ باريس اقنعت دول الخليج بأنّ استراتيجية «لا جدوى من مساعدة لبنان» التي اعتمدتها خلال الفترة الأخيرة هي غير جيدة، «وقلنا لهم انّ العقوبات لن تغيّر شيئاً على الصعيد السياسي في المدى المنظور، وانّ لديكم دوراً تاريخياً في لبنان الذي هو بحاجة إليكم، وهناك طائفة سنّية كبيرة فيه، وتوجد روابط صداقة عريقة تجمعكم بالشعب اللبناني، وكثيرون من اللبنانيين يعملون في الخليج».

وتؤكّد المصادر، انّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول إدراج لبنان واستقراره كأولوية على لائحة الاهتمامات الدولية، «وهذه المسألة ليست سهلة خصوصاً بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وينبغي ان يساعدنا لبنان في هذه المهمة عبر النأي بالنفس وتنفيذ الإصلاحات».

وتشدّد المصادر الفرنسية على أنّ اللبنانيين لا يملكون ترف الاستغناء عن الدعم الخارجي لبدء النهوض الاقتصادي والمالي، والسبيل الوحيد أمامهم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، «ونحن سهّلنا هذا المسار لأنّ الصندوق هو الوحيد القادر على ضخ المال الفريش، والمجتمع الدولي ينتظر أدلة تثبت انّ السلطة جادة في تطبيق الإصلاحات وإجراء الإنتخابات والوصول الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد، وهذه كلها رزمة واحدة».

وتجزم المصادر، انّه إذا أعيد انتخاب ماكرون لولاية رئاسية جديدة فإنّ لبنان سيبقى اولويته، منبّهة الى انّ نافذة الفرصة التي فتحتها فرنسا للبنان قد تُقفل مجدداً وسط انشغال العالم بقضايا أخرى، ما لم يحصل التقدّم المطلوب، «ولذلك عليكم ان تحسنوا التقاط هذه الفرصة».

وتتوقف المصادر الديبلوماسية الفرنسية باستغراب عند إصرار البعض على ربط الملف الداخلي بمفاوضات فيينا او بمسار العلاقات مع السعودية، قائلة: «على اصدقائنا اللبنانيين ان يتخلّوا عن وهم الربط الكلي لمصيرهم بما يجري في المنطقة، والافتراض أنّ خلاصهم سيأتي من الإقليم، معربة عن صدمتها لكون اللبنانيين يبحثون عن أسباب أزماتهم وحلولها في هذا الحدث الاقليمي او ذاك، بدل ان يتحمّلوا مسؤولياتهم في تثبيت الاستقرار.

وتتساءل المصادر: «هل الوضع الكارثي للكهرباء يتوقف على نتائج مفاوضات فيينا؟ وهل معالجة أزمة النفايات تتعلق بوجهة العلاقات اللبنانية – السعودية؟ بالتأكيد لا».

وتنقل المصادر عن أحد السفراء الغربيين المعتمدين في لبنان، انّه اصيب بالذهول عندما أبلغ اليه احدهم انّ مشكلة النفايات انما مردّها الأزمة مع السعودية.

وتجزم المصادر الفرنسية بأنّه لم يتمّ التطرق خلال مفاوضات فيينا الى الشأن اللبناني او اي شأن إقليمي آخر، «بل ما يطغى على النقاش هو الجانب التقني، من دون إنكار انّ التوصل الى اتفاق نووي مع إيران قد يوجد سياقاً يسمح بانفراجات اقليمية، ربما يستفيد منها لبنان».