محادثات الموفد الفرنسي تصطدم بإصرار مسيحيي 8 آذار على تبنّي عون
جيرو يشدّد على اللبننة ويحمّل قيادات مسيحية مسؤولية ضياع الجمهورية
محصلة جولة جيرو عن نتائج محادثاته في بيروت سلبية لناحية عدم وجود بصيص أمل في الحائط الرئاسي المسدود
أنهى مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جولته على القادة والمسؤولين السياسيين اللبنانيين والتي تمحورت حول الاستحقاق الرئاسي والسُبل الأيلة إلى إخراج لبنان من هذه الأزمة التي بات بقاؤه عليها يهدّد النظام الديمقراطي في هذا البلد، إذا لم يُطح بكل مقومات الدولة القائمة على المؤسسات الدستورية واستمراريتها.
وحسب ما أجمعت عليه المصادر اكتشف الموفد الفرنسي أن مواقف الأطراف مازالت على حالها ولم يلمس أي بصيص أمل في الحائط الرئاسي المسدود يعطي فرنسا دوراً في توسيع رقعته وصولاً إلى إقناع الفرقاء اللبنانيين بضرورة الخروج من هذه الأزمة الخطيرة، وذلك بسبب تمسّك الفريق المعطِّل للانتخابات الرئاسية، والمعني هنا التيار الوطني الحر، بشروطه، وعدم التخلي عن هذه الشروط حتى ولو استمر الفراغ في رئاسة الجمهورية إلى ما شاء الله، وحجة هذا الفريق كما باتت معروفة هي أنه يطالب برئيس قوي يُعيد الاعتبار إلى رئاسة الجمهورية ويُعيد للمسيحيين خصوصاً دورهم في صنع القرار وفي إدارة الجمهورية، فيما يُعطي الفريق الآخر الممثّل بقوى الرابع عشر من آذار إنطباعاً باستعداده لتقديم تنازلات لتسهيل مهمة الحكومة الفرنسية الحريصة على وحدة هذا البلد وتنوعه وانتظام مؤسساته ومن هذا المنطلق يدعو الفريق الآخر للبننة هذا الاستحقاق بالنزول الى مجلس النواب وتأمين النصاب الدستوري لانتخاب رئيس للجمهورية يُعيد الانتظام للمؤسسات ضمن مواصفات يتم الاتفاق عليها بين الأفرقاء اللبنانيين، وبناء على ذلك يرفضون الرضوخ للشروط التي يطرحها العماد عون وفريقه والتي تصب في نتيجة واحدة وهي أنا أو لا أحد، وهي المقولة أو الشرط الذي أخّر انتخاب رئيس الجمهورية قرابة التسعة أشهر ولا يوجد حتى الآن أي بريق أمل بإمكان تراجع هذا الفريق عن شروطه وفتح الباب للشروع في ملء الشغور عن طريق انتخاب رئيس جمهورية بالتوافق بين كل المكونات اللبنانية، بحيث لا يشكل انتخابه هزيمة لأحد الفريقين أوانتصاراً لهذا الفريق على حساب الفريق الآخر.
وما سمعه الموفد الفرنسي من الفريقين الأساسيين 14 و8 آذار جعله يفرمل تحركه باعتبار أن مساعيه اصطدمت بحائط العماد عون وفريقه المسدود، وأن أي محاولة تُبذل لفتح ثغرة في هذا الحائط بات في الوقت الحاضر شبه مستحيل، مستنداً في هذا الاستنتاج إلى ما سمعه الموفد الفرنسي من بكركي التي حمّلت المسؤولية في بقاء الفراغ في سدة الرئاسة إلى قصر نظر القيادات المسيحية وعدم اهتمامها بالنتائج التي تترتب على بقاء الفراغ في سدة الرئاسة الأولى على المسيحيين بوجه الخصوص وعلى لبنان الذي يشكل سنداً وموئلاً لهم بوجه عام.
وبطبيعة الحال، حاول الموفد الفرنسي استناداً إلى محادثاته السابقة مع المسؤولين الإيرانيين ومع المسؤولين السعوديين ومع الفاتيكان الإيحاء بأن الأجواء التي لاحظها عند الأفرقاء الثلاثة وبخاصة عند المسؤولين الإيرانيين والسعوديين أنهم مع اهتمامهم باستقرار لبنان وسيادته وانتظام مؤسساته لا يستطيعون أن يكونوا بديلاً عن اللبنانيين في معالجة هذه الأزمة لكنهم على استعداد تام لمباركة أي تفاهم بهذا الخصوص يمكن أن يتوصلوا إليه، وهو ما جعل الموفد الفرنسي يشدّد في كل لقاءاته مع القيادات اللبنانية على أهمية سحب البساط من تحت القوى الخارجية وذلك بالعودة إلى لبننة هذا الاستحقاق للخروج من الأزمة التي بات استمرارها يهدد النظام وحتى الكيان اللبناني برمته، وسيندم المسيحيون بوجه خاص على سوء إدارتهم لهذا الملف والذي أدى بهم إلى هذه الحالة، وهذا معناه أن الموفد الفرنسي قد حمّل مسؤولية ما آل إليه ملف ملء الشغور في رئاسة الجمهورية الى القيادات المسيحية قبل أي فريق آخر ودعا بكركي الى مضاعفة جهدها لإقناع هذه القيادات بعدم التفريط ببلدها وبالحقوق المسيحية في المشاركة الفعلية والمتوازنة والمسؤولة في قيادة الجمهورية والحفاظ عليها، ذلك لأن الكلام عن مصير الجمهورية فيما يستمرون في تعطيل الانتخابات الرئاسية لا قيمة له ولا جدوى من التمسك به كما هو واقع الحال بالنسبة إلى الفريق المسيحي الذي ما زال حتى الآن يتمسك بالبحث في جنس الملائكة فيما الجمهورية تتهاوي يوماً بعد آخر حتى كادت أن تصل إلى حافة السقوط في الهاوية أو الانهيار.
وكشفت مصادر مسيحية كانت في عداد الذين التقاهم جيرو في السفارة الفرنسية أن المبعوث الفرنسي لم يخف انزعاج حكومته من تصرفات بعض القيادات المسيحيةالتي تتحمل وحدها مسؤولية الخوف على ضياع الجمهورية من خلال البقاء على الفراغ في سدة الرئاسة لحساب مصالح دول خارجية أو لحساب مطامع شخصية جعلوها فوق مصلحة المسيحيين خصوصاً والجمهورية على وجه العموم.
واستاداً إلى ما نقلته هذه المصادر عن اجتماع السفارة الفرنسية أن الموفد الفرنسي الذي وضع القيادات المسيحية في أجواء غير مريحة حول الجمهورية ومصيرها في حال استمر الخلاف المسيحي – المسيحي، نقل إليهم أن فرنسا التي تبذل جهوداً حثيثة لإنقاذ الجمهورية والحفاظ على الوجود المسيحي في هذا الشرق، تشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب تصرفات بعض القيادات المسيحية التي تنطلق من اعتبارات شخصية على حساب الجمهورية ومصالح المسيحيين.