مطالبة بضمانات لتنفيذ “توتال” اتفاق “التنقيب مقابل التنقيب”؟ رئيسة الديبلوماسيّة الفرنسيّة في زيارة “استكشافيّة” دون مبادرات عملانيّة
– “جس نبض” فرنسي حول حظوظ قائد الجيش الرئاسيّة
– “هآرتس”: الإسرائيليّون لا يستطيعون تحمّل حرب “يوم القيامة” مع حزب الله!
يبدو ان الجميع قد اختار تجاوز النقاش الجدي حول طبيعة ما حققه كل من لبنان و”اسرائيل” من مكاسب في اتفاق “الترسيم”، وتحت معادلة “رابح – رابح” الكل يدعي “البطولات” ويتبنى الانجاز باعتباره تاريخيا وغير مسبوق، مع ثابتة وحيدة غير قابلة للنقاش، وهي انه لولا معادلة “المسيّرات” وتوازن الردع القائم مع حزب الله لما كان الاميركيون او “الاسرائيليون” قد انتبهوا ان هناك حقوقا لبنانية لا يمكن تجاوزها. وفيما تعمل الحكومة “الاسرائيلية” على ايجاد صياغة قانونية للاتفاق تحت عنوان ترك الاتفاق النهائي بشأن الحدود للمستقبل، لتسهيل المصادقة على الاتفاق حتى في فترة الانتخابات، من دون إجراء مداولات في “الكنيست” وطبعا عدم حاجته الى استفتاء، فان الجانب اللبناني الذي لا ينتظر الكثير من زيارة رئيسة الديبلوماسية الفرنسية يبحث عن ضمانات فرنسية جدية في ما خص عمل شركة “توتال” الفرنسية، لان تخاذلها هذه المرة سيؤدي ربما الى نسف الاتفاق القائم على معادلة “التنقيب” مقابل “التنقيب” لا “كاريش مقابل “قانا”.
هذه “الهواجس” اللبنانية ستكون حاضرة خلال المباحثات مع وزير الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي تصل الى بيروت غدا، دون آمال كبيرة بتحقيق اي اختراق في اي من الملفات السياسية او الاقتصادية التي ستبحثها، ولهذا تبقى الضمانات اولوية لبنانية. مصادر ديبلوماسية اشارت الى ان الزيارة “استكشافية” لا تقريرية، خصوصا ان الوزيرة لا تحمل في جعبتها اي اجابات عن الاسئلة اللبنانية حيال الاستحقاقات الداهمة، كما لا تملك ادوات الضغط الخارجية التي تخوّلها فرض تسويات، خصوصا بعد رد فعل باريس “الباهت” على إجهاض المبادرة الإنقاذية التي حاول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تسويقها عقب انفجار المرفأ. فخيبة أمله آنذاك لم تتبلور على ارض الواقع رد فعل فرنسي عملي. وهذا يؤكد ان باريس لاعب ثانوي غير مؤثر، ويمكن اختصار دورها راهنا “بالوسيط” الضروري لنقل الافكار والمواقف بين الغرب وايران وكذلك حزب الله باعتباره الطرف الوحيد الذي يحافظ على هذه “القناة” مفتوحة، لكنه لم يتمكن حتى الآن من استثمارها.
ومن هنا، تأتي كولونا قبل نحو 15 يوما من انتهاء رئاسة الرئيس ميشال عون وسط مخاوف جدية من مرحلة “الفراغ”، وهي ستحاول استشراف طبيعة المرحلة المقبلة، دون ان تملك اي مبادرة “خلاقة” تسمح باحداث اختراقات جدية. وفي هذا السياق، تؤكد المصادر ذاتها ان باريس لم تتبن بعد في الملف الرئاسي اي مرشح للرئاسة، لكن وزيرة الخارجية ستبلغ المسؤولين اللبنانيين ان بلادها ستكون مستعدة لدعم الشخصية التي تنال اكبر عدد من اجماع الكتل السياسية في البرلمان، وهي على عكس ما يقال لا تفضل اي مرشح على آخر، وليست في صدد التسويق لأحد، لكن هذا لن يمنعها من محاولة “جس نبض” مختلف القوى ازاء طرح تسوية ترشيح قائد الجيش جوزاف عون، وهي تريد الحصول على اجابات محددة حول نظرة القوى الرئيسية حول الفكرة. فهل هو مرشح “تسوية” او ثمة “فيتو” في مكان ما يمنع التداول اللاحق به كحل ممكن…؟
وما ينتظره الجانب اللبناني ايضا، من رئيسة الديبلوماسية الفرنسية خلاصات نتائج اتصالاتها مع المملكة السعودية والولايات المتحدة الأميركية، بعد البيان الثلاثي المشترك الذي صدر من نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ووفقا لتلك الاوساط، اذا كانت فرنسا التي لم تقطع اتصالاتها مع ايران وحزب الله قد وعدت بالمساعدة على توفير “المناخات الخارجية” الملائمة لتسهيل انتخاب الرئيس الجديد، فانها لم تنجح حتى الآن في ذلك. فالتقاطعات الاقليمية والدولية الضرورية لتمرير الاستحقاق لم “تنضج” بعد، لكن الخارجية الفرنسية سبق وابلغت المعنيين في لبنان ان مستشار الرئيس ماكرون لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا باتريك دوريل لم يوقف اتصالاته بالقوى الخارجية المؤثرة بهدف اعادة تزخيم الاهتمام الخارجي بالاستحقاق اللبناني، لكن لا شيء ملموس بعد، لكن المهم ان الاتصالات مستمرة ولم تتوقف، كما يعتقد الفرنسيون.
اما “النقطة السوداء” في الزيارة، فستكون ملف اللاجئين السوريين الذي لن يغيب عن جدول الاعمال، خصوصا ان كولونا اجتمعت بالمفوض الأعلى لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في باريس قبل ايام، الا ان باريس لن تحمل جديدا، بحسب اوساط مطلعة، وستعيد التأكيد على رفض اعادتهم “قسرا” او طوعا بحجة عدم توفر الظروف الآمنة! وهذا يعني انها لن تمنح لبنان “الضوء الاخضر” لتنفيذ خططه لاعادتهم بالتنسيق مع الدولة السورية. وهو امر لا يمكن للفرنسيين الموافقة عليه قبل حصول تفاهم مع الاميركيين المتشددين جدا في هذا الملف. وهذا سيعني وضع لبنان في “مهب” فوضى اجتماعية وامنية كبيرة.
اما الاهم بالنسبة لبيروت، فيبقى الحصول على ضمانات في ملف “الترسيم”، فاذا كانت باريس لم “تلعب” اي دور جدي في اتمام التسوية، وتحاول اليوم ادعاء مساهمتها في “الانجاز” لحجز دور على “الطاولة”، فان دورها يأتي الآن لتقديم شروحات حول دور شركة “توتال” التعطيلي طوال السنوات الماضية، وبحسب مصادر سياسية بازرة لم تجرؤ الشركة على العودة الى لبنان عبر وفدها الموجود في بيروت دون “الضوء الاخضر ” الاميركي الذي منعها لسنوات من استكمال عملها للضغط على الجانب اللبناني في ملف “الترسيم”. فهل تحمل وزيرة الخارجية ضمانات فرنسية جدية هذه المرة بعدم التلكؤ مرة جديدة؟ هذا الامر لا يحتمل “المزاح” وستكون باريس مضطرة لتقديم ضمانات بالتزام الشركة الفرنسية بخططها لمباشرة الاستكشاف والتنقيب في” حقل قانا”، التزام سيكون تحت “المجهر” لدى المعنيين في لبنان وفي مقدمتهم حزب الله، لان ما التزم به الاميركيون كوسيط هو “التنقيب مقابل التنقيب”، وهذا يعني عدم التلاعب “التقني” لاجهاض الانجاز اللبناني، وهذه نقطة محورية جدا وسيكون لها تداعياتها في المستقبل اذا لم يتم الالتزام بالاتفاق الذي سيكون لاغيا و”ليتحمل الجميع مسؤولية التوتر المقبل لا محالة”.
وبانتظار الاجوبة الفرنسية، وللدلالة على دقة الموقف، اختصرت صحيفة “هآرتس الإسرائيلية” المشهد بالقول: “الغلبة في الاتفاق كانت لحزب الله”. لكن الاهم برأيها،” انه اخرج الى العلن قضية مكبوتة، وتشبه انفجار حقل غاز ضخم، “إسرائيل” مردوعة من قبل حزب الله”. ووفقا للصحيفة” تبين ان “الإسرائيليين” غير معنيين بتحمل ثمن الحرب مع الحزب، فالحديث يجري عن سيناريو يوم القيامة. آلاف الصواريخ، دمار هائل، قرى مدمرة، آلاف المدنيين قتلى، مئات آلاف الجرحى. ومن هنا لدى “إسرائيل” أسباب جيدة جداً للسعي إلى تفاهم مع حزب الله أو لسوء الحظ، كما تقول “هآرتس”، إلى الاقرار ب”ميزان رعب”، لأن صدمة حرب أخرى مقابل الحزب ستترك ندبة عميقة لدى المجتمع “الاسرائيلي”!