ملف الرئاسة في لبنان بات يشبه إلى حد بعيد لعبة زهرة الأقحوان، هذه اللعبة التي كنّ الصبايا الصغار يلعبنها أيام الزمن الجميل، «بتجوز أو بترهبن»، في رئيس أو ما في رئيس يلعبها الكبار هذه المرة الذين باتوا يتسلّون بتمزيق أوراق الأقحوان بانتظار كلمة السر الخارجية.
الوضع كمثل كوب الماء النصف ملآن فيصفه المتفائلون بالنصف الملآن والمتشائمون بالنصف الفارغ، وكلاهما على حق. فالزيارات الخارجية لا تنقطع لا تلبث أن تنتهي مبادرة لتبدأ أخرى، فجان إيف لودريان الموفد الرئاسي الفرنسي الذي غادرنا منذ مدة بسيطة سلم المهمة مرحلياً للموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني. وبحسب المتداول فالمهمة القطرية إستطلاعية لغاية كتابة هذه السطور وذلك بانتظار عودة لودريان ومبادرته الجديدة.
فرنسا على خط الرئاسة
ليس صحيحاً أن الفرنسيين انسحبوا من الملف الرئاسي اللبناني بل على العكس تماماً، إذ أن الموفد الفرنسي يغرّد بقوة داخل القفص الرئاسي وهو يهيّئ لمهمته الجديدة بالإعلان وبالفم الملآن أن الإسمين المطروحين فرنجية وأزعور قد ذهبا إلى غير رجعة، ولقد طوي الحديث عنهما والموضوع يتمحور حول الإسم الثالث، الذي يتصرف إزاؤه لودريان بكثير من الحكمة – هذه المرة – وهو يترك خياره للبنانيين أنفسهم.
وما رشح عن خطة لودريان الجديدة فيتمحور على إجراء مشاورات في قصر الصنوبر ثنائية أو جماعية لا فرق، فالمطلوب هو أكل العنب وليس اغتيال الناطور كما حصل في المرات السابقة. فلا لزوم لمبادرات معلبة سلفاً غير قابلة للبحث إن من ناحية الأسماء أم من ناحية الشكل، بل صيغة متكيفة مع متطلبات الواقع اللبناني وأهواء السياسيين اللبنانيين لا سيما رؤساء الكتل.
سياسة خارجية فرنسية مرنة للتعويض عن الفشل الأفريقي
لقد مُنيت فرنسا بخسارة فادحة في الأشهر الماضية في دول الساحل الأفريقي الفرنكوفوني، وهكذا من أصل ست دول أفريقية فرنكوفونية خرجت فرنسا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وهذه الخسارة وبحسب كبار المحللين الفرنسيين نتجت عن فشل ذريع في السياسة الخارجية، حتى أن الجزائر التي تعد الدولة الفرنكوفونية الثالثة بعد جمهورية الغابون الديمقراطية والتي يتكلم فيها أكثر من 15 مليون جزائري الفرنسية، هذه الدولة ستتحوّل إلى دولة ناطقة بالإنجليزية بعد قرار رئاسة الجمهورية فيها بعدم اعتماد الفرنسية لغة رسمية وضرورة البدء بتعليم الإنجليزية للطلاب بدلاً من الفرنسية.
وهكذا تبدو فرنسا ولدواعٍ استراتيجية غير مستعدة للتخلّي عن لبنان وهي ستبذل المستحيل في سبيل إنجاح مبادرتها مع ما يستتبع ذلك من إنقاذ لماء الوجه. وهنا التحدي الكبير أمام السياسة الخارجية الفرنسية التي تمتلك العديد من الأوراق التي يمكن استثمارها في الملف الرئاسي اللبناني، ففرنسا تتمتع بعلاقات جيدة مع السعودية وقطر ومصر وهي كذلك يمكن أن تلعب إيجابياً في الملف العالق مع الدولة العبرية، إبتداء من الانسحاب من قرى العرقوب المتنازع عليها ومن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم المحتل من بلدة الغجر إلى ترسيم أو تثبيت الحدود البرية الجنوبية بين لبنان والعدو الإسرائيلي.
ففرنسا التي يقول مختصون في سياستها الخارجية لا مصلحة لها في التهديد بالعقوبات، وهي تستطيع تقديم الحوافز للبنانيين على أكثر من صعيد وصولاً إلى وضع حد للنزوح السوري المتنامي يوماً بعد يوم.
فالطابة هي في الملعب الفرنسي فهل تنجح المبادرة الفرنسية في لبنان تعويضاً للفشل الأفريقي؟ فنشهد ولادة رئيس في القريب العاجل، ويستعيد لبنان عافيته إبتداء من الملف الرئاسي؟! اللبنانيون كلهم أمل وتفاءلوا بالخير تجدوه.
* كاتب سياسي