الزيارة التي بدأها أمس وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت الى لبنان تبدو كأنها حدثت قبل أمس. وليس بين البداية والنهاية سوى الوقت. لا مفاجآت فرنسية بحكم الواقع. ولا أوهام لبنانية خلافاً للعادة. اللبنانيون عرفوا سلفاً من باريس ما الذي سيقوله الزائر المهم، وما الذي لن يحمله في الحقيبة. والفرنسيون يعرفون عن ظهر قلب ما الذي سيسمعه ايرولت من الشخصيات الرسمية وغير الرسمية التي يلتقيها، وما الذي لن يجده في السلة المتكاملة.
واذا كان حرص باريس على التأكيد أن الرجل لا يحمل مبادرة تتعلق بالاستحقاق الرئاسي جعل البعض يشعر بخيبة أمل والبعض الآخر بالارتياح، فإن السؤال هو: لماذا يجب أن ننتظر مبادرة بدل أن نكون نحن المبادرين؟ والسؤال – التحدي هو: كيف نستمر في الحديث عن جمهورية ومؤسسات عندما يتكرر الشغور الرئاسي ثلاث مرات خلال ربع قرن ويصبح التكيف معه أمراً عادياً، وتعطيل النصاب الدستوري في ٤١ موعداً لجلسة انتخاب ممارسة ديمقراطية ودستورية؟
الواقع أن لبنان الذي يتجسد سوء حظه في تركيبة سياسية شخصانية ومحيط اقليمي قاسٍ لديه بعض الحظ بوجود صديقة مثل فرنسا. فالموقع اللبناني في الاهتمامات والهموم الفرنسية ثابت، وإن تغيرت الدنيا في فرنسا والعالم. واذا كانت المصالح أساس العلاقات بين الدول، فإن ما يربط فرنسا بلبنان أكثر من المصالح. ولا يبدل في الأمر كون فرنسا تتحدث أحياناً عن لبنان لم يعد موجوداً أو تعرض لمتغيرات هائلة. لا فقط لبنان الفرنسي بل أيضاً لبنان الحريات والثقافة ونموذج العيش المشترك والرسالة التي تحدث عنها الفاتيكان.
ذلك ان باريس بدت أكثر اهتماماً من أي عاصمة وحتى من بيروت والفاتيكان بملء الشغور الرئاسي. ولم يكن أمراً عادياً ان يزور الرئيس فرنسوا هولاند لبنان من دون أن يكون له رئيس يستقبله. ولا كان أمراً قليل الدلالات ان تضع باريس لبنان بنداً في محادثاتها مع واشنطن وموسكو وعواصم المنطقة. فهي جرّبت للانجاح على مدى عامين البحث مع طهران والرياض في الموضوع الرئاسي على أمل الدفع نحو فتح الباب المغلق. وهي تحاول حالياً، عبر زيارة الوزير ايرولت، العمل من الجانب الآخر: لبننة الاستحقاق الرئاسي بتأمين تفاهم داخلي يسهّل إقناع القوى الاقليمية بالدعم.
لكن هذا الخبز من ذاك العجين. فالارتباط كامل بين القوى المحلية والاقليمية. والانقسام حاد بين لبنان الايراني ولبنان السعودي. وقرار الانتخاب واللاانتخاب قرار مشترك، بصرف النظر عن نسبة المشاركة المحلية للقوى الاقليمية في اتخاذه.
وفرنسا ترفض اليأس، وان كانت عينها بصيرة وصارت يدها قصيرة.