IMLebanon

“اللبننة” الخطيرة للمبادرة: من يحمل “حقيبة” لبنان ؟

 

“جئت الى الشرق المعقد بأفكار بسيطة”. هكذا تكلم الجنرال ديغول قبل عقود. وهذا هو التصور الذي رافق “مجازفة” الرئيس ايمانويل ماكرون بالرهان على إنقاذ لبنان من خلال إعادة “تأهيل” التركيبة السياسية الفاشلة والفاسدة التي قادته الى الهاوية. اليوم يكتشف الرجل الذي جلس على كرسي ديغول ان لبنان أشد تعقيداً من ان تسلّم التركيبة السياسية فيه بان ما يحتاج اليه الانقاذ هو بالفعل أفكار بسيطة. هو وضع على الطاولة ما قال انه “الشيء الوحيد الذي املكه: رأسمالي السياسي”. وأهل السلطة وضعوا على الطاولة ما لا قيمة له عندهم وعادوا الى اللعب تحت الطاولة.

 

كانت مفاجأة مصطفى اديب والتأييد الواسع للتسمية ممن لا يعرفونه والسرعة في التكليف والتزام اسبوعين للتأليف “أجمل من ان تكون حقيقة” كما يقول المثل الفرنسي. لا احد اراد ان يقرأ بصوت عال ما كان مكتوباً على الجدار حتى في قصر الصنوبر. والكل أدرك، منذ الخطوة الاولى، ان من الصعب ألا نصل الى المشهد الذي يعكس تعقيدات الواقع: “لبننة” المبادرة الفرنسية. لا بالمعنى الايجابي لجهة الحرص على شيء من السيادة في تولي الشأن الداخلي، بل بالمعنى السلبي لجهة الصراع على الادوار، ولو تهدم المسرح تحت اللاعبين.

 

ذلك ان إصرار “الثنائي الشيعي” على التمسك بحقيبة المال، وسط الانهيار والحاجة الى “حكومة مهمات” تحمل كلها “حقيبة لبنان”، ليس كل اللعبة التي تعطل التأليف، ولا السبب، لان لدى امل و”حزب الله” نوعاً من “دكتور شاخت شيعي” يملك خطة مالية انقاذية، بل لأن المطلوب ضمان فيتو عبر ما يسمى “التوقيع الثالث” لتعطيل كل ما لا يعجب “الثنائي” من القرارات.

 

فضلاً عن ان الصراع على حقيبة المال تعبير عن الصراع على ادارة النظام في المرحلة الحالية، ثم على النظام نفسه في مرحلة لاحقة. وفضلاً ايضاً عن ان الادوار التي تعرقل المبادرة الفرنسية ليست من المفاجآت. اذ حين تدار تسوياتنا وانتخاباتنا الرئاسية وطريقة تأليف حكوماتنا بالادوار الخارجية، فان من الطبيعي ان تكون لحسابات المصالح والصراعات الخارجية ادوار في التسهيل كما في التعطيل.

 

واذا كان ما يعرقل تأليف حكومة انقاذية هو العناد، فنحن في ورطة فوق ورطة الازمات الخانقة. واذا كان ما يمنع التأليف هو حسابات جيوسياسية مدروسة من اجل “اجندة” أوسع، فنحن في ورطة اكبر. وفي الحالين، فان النتيجة العملية الملموسة والمؤسفة والمخيفة هي ما نراه من شحن العصبيات الطائفية والمذهبية، ومن دفع ثمن الفتنة وسط احاديث الحرص على تجنب الوقوع فيها.

 

و”لا احد يعلم الحياة اي شيء” كما قال غابرييل غارسيا ماركيز.