Site icon IMLebanon

المبادرة الفرنسية على أبواب جهنم

سقوط كلّ محاولات تسلّل «حزب الله» إلى الحكومة

 

هل كانت المبادرة الفرنسية تهدف لإنقاذ لبنان من الانهيار المحتوم، أم تهدف إلى إنقاذ الطبقة السياسية الفاسدة من خلال مناورة متقنة تضمنت التوبيخ المعلن والتشاوف على من جمعهم الرئيس مانويل ماكرون في قصر الصنوبر، وتكثيف الحديث عن حتمية الإصلاح ومواجهة الفساد، ثم إعادة العمل بناء على قواعد اللعبة القائمة، بترك المجال للأقطاب السلطة أن يعيدوا تشكيلها تحت رعاية باريس، مع ما يلزم من دعايات الحكومة المستقلة وطروحات مثل المداورة؟

 

كيف يقوم الفاسدون بالإصلاح؟

 

كيف يمكن إطلاق مبادرة إنقاذية أساسها مكافحة الفساد، وآلية عملها بيد التحالف الحاكم الذي يسيطر عليه «حزب الله»، من خلال الآليات الدستورية المخترقة بمئات الهرطقات التي تنسف أساس الطرح الفرنسي؟

 

لقد فشلت السلطة في تنفيذ أي بند إصلاحي قبل المبادرة الفرنسية، وستفشل بعدها، رغم الخطر المحدق والواضح ودخول الانهيار حيز التنفيذ، فكيف يمكن انتظار نتائج إيجابية من هؤلاء الذين يقف على رأسهم حزب متهم باغتيال رئيس وزراء لبنان الشهيد رفيق الحريري، كما وقع بين أيديهم تفجير مرفأ بيروت واغتيال العاصمة من دون أن يرفّ لأحدهم جفن، بل إنهم استشرسوا في الدفاع عن وجودهم في السلطة، حتى لو أوردوا اللبنانيين أبواب جهنم.

 

إصرار على الإفساد

 

كانت لدى تحالف السلطة فرصة زمنية معقولة لتقديم إنجاز ولو أوليّ في قطاعات يجتاحها الفساد إلى درجة أصبحت من معالم الفساد العالمية، مثل قطاع الكهرباء والمياه (السدود) ، لكن المشكلة أنّ القائمين على هذه الانتهاكات هم أنفسهم الذين تطلب منهم باريس القيام بالإصلاحات، بعبارة أخرى، قال الفرنسيون: أصلحوا ما يكفي لتستمروا في الحكم، لأنّ الانهيار سيطالكم بشكل أو بآخر، ومع ذلك، فشل القائمون على السلطة في تقديم أيّ خطوة عملية، مما اضطر ماكرون إلى التدخل شخصياً والمجيء إلى لبنان وإطلاق مبادرته، التي عملت في عمق مفاعيلها على إعادة الاعتبار لـ«حزب الله» وتخطّي حكم المحكمة الدولية التي أدانت القيادي فيه سليم عياش بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتجاوز تداعيات مرفأ بيروت الكارثية الكفيلة بإسقاط السلطة بكاملها.

 

مناورة فاشلة

 

كان واضحاً منذ البداية أن الطبخة الفرنسية تحظى برضى «حزب الله» وحركة أمل، وخاصة بتسمية الرئيس المطلف مصطفى أديب، مع ضمان دور تعويضي للرئيس سعد الحريري في عملية التشكيل، كبدل ضائع عن تكليفه المباشر، والممنوع بسبب الرفض الأميركي والسعودي الواضح لمشاركة الحزب في أي حكومة، وتفاقم الوضع بعد نزول سيف العقوبات على وزير المال السابق النائب علي حسن خليل المساعد الأقرب للرئيس نبيه بري.

 

حاول الفرنسيون إرضاء الجانب الأميركي بعناوين استقلالية الحكومة واختيار الوزراء من خارج دائرة الأحزاب، وبأن تكون حكومة أديب مصغرة من 14 وزيراً، لا تشارك القوى السياسية في تسميتهم. لكن ما قبل العقوبات على وزيري حركة أمل وتيار المردة، ليس كما بعدها، فقد تبدّل المزاج الشيعي، وظهرت النوايا التي اتخذت شكل بيانات من المجلس الشيعي الأعلى والمفتي أحمد قبلان، وهي تطال مسألة توزيع مراكز السلطة العليا في الدولة، من رئاسة الجمهورية إلى وزارة الدفاع وقيادة الجيش، وليس انتهاءً بحاكمية مصرف لبنان.

 

قبل العقوبات ليس كما بعدها

 

إختلطت الأوراق وهدّد الثنائي الشيعي بالانقلاب على شاكلة 7 أيار عام 2008، وعادت نغمة التهديدات بالحرب الأهلية، وهو أسهل وسائل الحزب لابتزاز الجميع، حلفاء وخصوماً. وهنا جاء دور الرئيس سعد الحريري الذي عوّد «الخصوم» على أن يرفع السقف ثم يتنازل بطريقة متهالكة تجعلهم يتصلّبون في مواقفهم وينتظرون في كلّ مرة أضحية جديدة يقدّمها لهم على أطباق من ذهب، فتزداد قوّتهم ويزداد ضعف الحريري المنسلخ من بيئته والمنقلب على الحلفاء.

 

الحريري: ينقذ البلد أم الحزب؟

 

جاء بيان الحريري الذي أعلن تنازله فيه عن وزارة المال للثنائي الشيعي، بشكل مهين لرؤساء الحكومات، وكأنه لا اعتبار لهم، ولا داعي للوقوف عند آرائهم، وهم الذين شكّلوا عامل الدعم له في محطات كثيرة، كان آخرها تخريج المبادرة الفرنسية. فضلاً عن أنّ خطاب الحريري، شكّل خرقاً للدستور وتسلطاً على صلاحيات الرئيس المكلف مصطفى أديب، والأخطر، أنه أخرج تحالف «حزب الله» – عون وباسيل، من أخطر المآزق التي مرّ بها منذ توقيع تفاهم مار مخايل.

 

ما لا يريد الحريري الإقرار به هو أنّ كلّ ما جرى كان محاولة لتغطية مشاركة «حزب الله» في الحكومة، وأنّ هذه المحاولة قد باءت بالفشل، نتيجة الرفض الأميركي – السعودي القاطع لها، وإذا كان الحريري في الأصل مرفوضاً، فكيف يمكن أن يكون «الاحتياطي» مقبولاً، خاصة بعد انكشاف بعض أدواره في الدفاع عن الحزب خلال عمله في السفارة اللبنانية في برلين.

 

لا مساعدات بوجود «حزب الله» في الحكم

 

المواقف العربية والدولية الرافضة للمناورة الفرنسية ومندرجاتها المحلية تتوالى، لتعيد التذكير برفض مشاركة «حزب الله» في أيّ حكومة كشرط لتوفير الدعم الدولي للبنان، وأبرز هذه المواقف جاء في خطاب الملك سلمان بن عبد العزيز الذي أكّد أنّ «تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني من أمن واستقرار ورخاء يتطلب تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح».

 

كذلك أكد دايفيد هيل أنّ «حزب الله» يهدّد أمن لبنان وأنّ إيران تقدم 70 مليار من واردتها من النفط للحزب الله بهدف تقويض الاستقرار، موضحاً أنّ «دعمنا للجيش اللبناني يأتي ضمن استراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة «إرهاب حزب الله»، وعندما يلتزم قادة لبنان بالتغيير فإن أميركا ستقدم المساعدات اللازمة»، بعبارة أخرى، لا مجال لأي مساعدات إذا لم يجرِ تحرير الوزارات من أصحاب الصفقات، وإذا لم يخرج الحزب من الحكم، وكلّ حديث عن أموال مؤتمر سيدر، هو أضغاق أحلام لن تجد لها في الواقع مكاناً.

 

تجاوز الأميركيون مسألة رفض الفصل بين جناح «حزب الله» السياسي وجناحه العسكري، وأصبحوا اليوم بصدد ملاحقة الحزب وحلفائه معه، وسيجد الأوروبيون أنفسهم متأخرين عن ركب التطورات، خاصة أن الجانب الأميركي أعطى مؤشرات حاسمة على مضيّه قُدُماً في تحجيم النفوذ الإيراني، من تصفية قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وليس انتهاءً بإمطار إيران وأحزابها والنظام السوري بعقوبات غير مسبوقة لن تكون تداعياتها سهلة، لا على الإيرانيين وأحزابهم، ولا على البلدان التي يفرضون سيطرتهم فيها.

 

المبادرة الفرنسية على أبواب جهنم

 

بدا في الأيام الأخيرة أنّ المبادرة الفرنسية «تلبننت» ودخلت أكثر في زواريب السياسة المحلية، وفقدت زخمها وقدرتها على إنجاز تغيير مرحليّ يحدّ من الانهيار ويفتح كوّة في جدار الحصار، ويبدو هذا المآل نتيجة طبيعية لأنّ المبادرة قامت على صفقة مع السلطة وعلى مناورة على «الثورة». وحتى لو تمكن الرئيس المكلف من تشكيل الحكومة، فإنّها لن تعدو أن تكون حكومة حسان دياب 2، وليستعدّ اللبنانيون لولوج «أبواب جنهم» ولتجرّع «كؤوس السمّ»، لأنّ التغيير بات ملازماً لسقوط الهيكل بعد أن تلبست شياطين السياسة الكيانَ والدولة.