Site icon IMLebanon

المبادرة الفرنسية رقم 2: أرضية تفاهم لما بعد الرئاسة الأميركية

 

صمت مطبق ساد المقار الرسمية وغير الرسمية بعد المؤتمر الصحافي الناري الذي عقده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تعليقاً على الأحداث اللبنانية. كال الرئيس الفرنسي أبشع النعوت والصفات بحقّ الطبقة السياسية اللبنانية التي تعاطت بنظره مع مبادرته بكثير من الخفّة واللامسؤولية مقارنة بالخطر الداهم الذي يتعرض له الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي والمالي، اذا ما استمر الوضع في مساره الدراماتيكي.

 

أسابيع صعبة تنتظر اللبنانيين، خصوصاً وأنّ كل المؤشرات تدلّ على أنّ احتمال تأليف حكومة تعبر المرحلة بأقل الأضرار الممكنة، بات ضئيلاً جداً في ضوء التشدد المرتقب من طرفيّ النزاع على نحو قد يجعل من امكانية التفاهم على مندرجات المبادرة الفرنسية، صعبة للغاية… بانتظار معرفة هوية سيد البيت الأبيض الجديد.

 

من جهة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، إختار الأخير أن يستبق وقوف الرئيس الفرنسي على منبر “المضبطة الاتهامية”، ليسحب ترشيحه لرئاسة الحكومة من التداول المبكر قبل انطلاق الجولة الثانية من المبادرة، ويعلن أنّه لن يقوم بتزكية أي مرشح جديد أسوة بما فعل حين أخرج الرباعي السني أرنب مصطفى أديب من كمّه.

 

على ضفة “حزب الله”، يفترض أن يوضح الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله موقف “الحزب” من كلّ التطورات خلال اطلالته اليوم، لتكون الحدفة الأولى على رقعة الشطرنج الحكومية، في ضوء الاتهامات التي وجهها ماكرون إلى “حزب الله” في ما خصّ سلاحه ونفوذه. وتالياً موقفه من النسخة المنقحة من المبادرة الفرنسية.

 

وعلى الرغم من اصرار ماكرون وتمسكه بمسعاه، لمصالح استراتيجية تخصّ بلاده، وتمديده المهلة ستة أسابيع اضافية، إلا أنّ ثمة وجهة نظر متشائمة تعتبر أنّ رهان الرئيس الفرنسي على امكانية الخرق لبنانياً، دونها الكثير من العقبات. وفق هؤلاء، لا يمكن للتوتر الاقليمي الحاصل عشية فتح صناديق الانتخابات الرئاسية الأميركية أن يترك ممراً آمناً لحكومة لبنانية تعبر معمودية الصراع الدولي، سليمة. ولهذا، يعتقد هؤلاء أن المشهد اللبناني سيزداد سوداوية اذا عجزت باريس عن فرض مسارها على القوى اللبنانية. وعليه، تصير السيناريوات المحتملة على الشكل الآتي:

 

– أن تعمد قوى الثامن من آذار إلى تشكيل حكومة من لون واحد على طريقة حكومة حسان دياب وإن بوجوه أكثر قابلية في الشارع وأقل تعرضاً للانتقادات.

 

– أن يحصل الخرق بين الاصطفافين وتنجح باريس في دفع القوى اللبنانية الى تنفيذ مندرجات مبادرتها خلال المهلة المحددة.

 

– أن يصار إلى تعويم حكومة حسان دياب من جديد لتملأ فراغ الأشهر المقبلة اذا ما صدقت النظرية بأنّ قيام الحكومة مؤجل لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهذا ما دفع ماكرون إلى تمديد مهلة مبادرته لما بعد ستة أسابيع اضافية. والأرجح أنّ هذا الاحتمال هو الأكثر قابلية للتنفيذ. وعليه تصير المبادرة بمثابة أرضية وتحضير الأجواء لما ستقوله صناديق الاقتراع الأميركية، وما ستحمله من انعكاسات على المنطقة، ومنها لبنان.

 

بهذا المعنى يُمكن فهم دخول موسكو على خطّ الأزمة اللبنانية، بعدما اكتفت خلال المرحلة الماضية في التفرّج على الادارة الفرنسية تتخبط في الوحول اللبنانية. يقول أحد المواكبين إنّ انخراط الروس في الأزمة من خلال الاعلان عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بيروت، هو العامل الوحيد المستجد لبنانياً. وقد سبق الاعلان اتصال أجراه نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس بوتين في الشرق الاوسط وافريقيا مخائيل بوغدانوف برئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي أبدى حماسة للمبادرة الفرنسية وحاول التسهيل لها لدرجة أنّه عشية تنحي مصطفى أديب حاول جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري برئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، علّه ينجح في إبعاد كأس تنحي أديب، لكنه لم يتمكن من ذلك.

 

حتى الآن، لا تشير المعطيات إلى طرح محدد قد يحمله وزير الخارجية الروسي إلى بيروت خصوصاً وأنّ ما رشح من اتصال بوغدانوف بجنبلاط، لم يكن أكثر من محاولة الأخير استشراف بعض الوقائع التي شهدتها المبادرة الفرنسية واستدراك المطبات التي وقعت فيها.