IMLebanon

عندما يستعين الصديق.. بصديق!

 

هناك سؤالان حول المبادرة الفرنسية وتكليف رئيس الحكومة الجديدة، يُفترض أن تجيب الايام المقبلة عنهما: هل ما زلنا امام «المبادرة – 1» التي ولدت في قصر الصنوبر؟ أم أنّ فشل مهمة مصطفى اديب، بما أحاطها من التباسات خلال التأليف وما تلاها من مآخذ واتهامات بين باريس وبيروت، نقلنا الى «المبادرة – 2»؟ وهل انّ بديل أديب جاهز او ممكن إيجاده، أم أنه ضائع في دهاليز السياسة وليس من السهل العثور عليه؟

في مؤتمره الصحافي الأخير، بَدا لكثيرين أنّ صاحب المبادرة ايمانويل ماكرون كأنّه «فشّ خلقو» وقال كلمته ومشى. تاركاً مبادرته:

 

بين قائل إنّها ما زالت مستمرة، من دون تعديل في مضمونها.

وبين قائل إنّها ماتت وانتهت، وبيان النعي تلاه ماكرون بنفسه في كلامه القاسي بحق القادة اللبنانيين ولم يستثن فيه احداً.

 

وبين قائل إنّ ماكرون تنحّى، وترك الملعب اللبناني للأميركيّين.

وبين قائل إنّ ماكرون يُزيّت محرّكاته وسيعاود حضوره بزخم، وها هو قد بدأ التمهيد لذلك بإجراء تبديلات وتعديلات في فريق عمله في الملف اللبناني.

 

وما يزال السيلان مستمراً، وكلّ ذلك كلام «صنع في لبنان»، حَيّر اللبنانيين، وشَوّش رؤيتهم للأمور، خصوصاً انّ القاسم المشترك في هذا السيلان الكلامي، أكان عبر سياسيين او عبر مواقع التواصل الاجتماعي او عبر القنوات التلفزيونية وجحافل من يسمّون أنفسهم بالمحللين، هو انه ليس مُسنداً لا على وقائع، ولا على معطيات، ولا على معلومات، بل هو، كما جرت العادة مع كل محطة او استحقاق لبناني، مجرّد تخاريف تنجيمية لتعبئة الهواء الفارغ، تُصاغ وفق رغبات المنجّم، وتمنيات بطانته وملّته. والمضحك المبكي، لا بل المثير للسخرية، هو انّ «التَنجيمة» تُقارَب من قبل البعض على أنها حقيقة واقعة لا لبس فيها، وعلى أساسها تُبنى المواقف والتوجّهات، فيما هي في حقيقتها لا تمتّ الى الحقيقة او الواقع بصلة.

 

«ماكرون لم يحضر إلى لبنان لكي يخرج منه، هكذا بسهولة»، يقول سفير اوروبي لمسؤول كبير. ويضيف: «بحسب معلوماتي، فإنّ لماكرون حضوراً لبنانياً فاعلاً في المدى القريب، إنْ عبره شخصيّاً، أو عبر الديبلوماسية الفرنسية، أو عبر البعض من إدارته وفريقه، فمبادرته في رأس قائمة البنود المتصدرة أجندة الايليزيه، ويريد لها ان تنجح، ويدفع اللبنانيين الاتفاق على تسيير أمور بلدهم، هذا التزام منه ليس إلى اللبنانيين فقط، بل الى الفرنسيين ايضاً، وربما قبل اللبنانيين، ويجب التوقف مليّاً عند قوله انه اذا تركنا لبنان فيعني ذلك الحرب الاهلية، ولعلّ أهم اشارة في مؤتمره الصحافي هو آخر 4 كلمات فيه «اللبنانيّات واللبنانيّون لن نترككم».

 

لكن عندما سُئل السفير المذكور عما اذا كانت مبادرة ماكرون قد خضعت لتعديل، ام انها ما زالت في نسختها الأولى، سارعَ الى القول: «أستطيع ان اؤكد انها خضعت لمراجعة وتقييم».

 

قال ماكرون إنّ أمام اللبنانيين 6 اسابيع لتشكيل حكومة، فجاء من يتلقّف هذا القول ويفسّره على انّ الحكومة رُحِّلت الى ما بعد الإنتخابات الأميركية المقررة مطلع تشرين الثاني المقبل. وممّا لا شك فيه انّ هذا التفسير هو الغالب على معظم الصالونات السياسية، بما فيها صالونات المختلفين على ضفتي التكليف والتأليف.

 

الّا أنّ أحد هذه الصالونات حادَ عن هذا التفسير، وكان من بين الحضور سفير دولة عربية صديقة للبنان كان له «حضوره الصامت» على الخط الحكومي. وبعدما صالَ الكلام وجال على الواقع اللبناني والمبادرة الفرنسية وترحيل الحكومة الى 6 أسابيع، أخذ الكلام ولفت انتباه محدّثيه، وقال ما حرفيته: «مع احترامي لكل الآراء التي نسمعها، اعتقد انّ على اللبنانيين ان يكونوا واقعيين والتعمّق اكثر في مجرى الامور والاحداث».

 

ويضيف: في الحقيقة انّ اللبنانيين هم أشطر مَن رسم السيناريوهات، فلقد سمعتُ كثيرين يقولون إنّ الحكومة اللبنانية أُجِّل تشكيلها الى ما بعد الانتخابات الأميركية، وكأنّ هذه الحكومة جزء من الاولويات الاميركية. اؤكد لكم انّ واشنطن لا تعنيها أي حكومة لبنانية يتم تشكيلها وحتى ولو كان «حزب الله» داخلها او خارجها، أنا أحيلكم فقط الى ما قاله مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد هيل الذي عبّر بوضوح عن موقف إدارة بلاده التي تعايَشت مع مثل هذه الحكومات لسنوات طويلة.

 

وتابع: ثم لنفرض انّ دونالد ترامب خسر وفاز جو بايدن، فذلك يعني انّ الادارة الاميركية الجديدة ستبدأ بالتشكّل اعتباراً من كانون الثاني من السنة الجديدة، أي بعد 3 اشهر. ولكي تتشكّل هذه الادارة فإنها تحتاج الى أشهر اضافية، فهل تستطيعون في لبنان ان تبقوا في فراغ حكومي كلّ هذه الفترة؟ خلاصة الكلام انّ المبادرة الفرنسية ما زالت تشكّل الفرصة لتشكيل حكومة في لبنان بمعزل عن الانتخابات الاميركية او أي أمر آخر، ولقد تبلّغنا من الرئيس ماكرون انّه جدي جداً في دفع الامور في لبنان الى الامام».

 

يحضر هنا السؤال: هل يمكن ان يتفق اللبنانيون على تشكيل حكومة؟

 

الواقع الحكومي في ما يشبه مسرحيّة هزلية بأحداث معقدة، كتبت لها بداية إنما بلا نهاية حتى الآن.

 

إعتذر مصطفى أديب، عاد التكليف الى نقطة الصفر، رئيس الجمهورية يريد أن يحدد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، ولكن ما معنى الاستشارات في غياب البديل الجاهز للتسمية؟ فصار مُجبراً على التريّث.

 

كانت العين على سعد الحريري، لكنه عجّل بالنأي بنفسه عن الترشيح؛ صارت المسألة أصعب وضاع أيّ أثر لبديل. نجيب ميقاتي يحضر فجأة بطرح حكومة تكنوسياسية، فُسِّر طرحه على أنّه إعلان ترشيح مقنّع. هناك من سأل: «هل هو طرح منسّق مع نادي رؤساء الحكومات الذي هو عضو فيه؟ وهل هو منسّق تحديداً مع الحريري المُصرّ على حكومة اختصاصيين لا سياسيين»؟ فجاء الجواب: «إنّ الحريري قال انه ليس مرشحاً، ولن يسمّي أحداً». ولكن ماذا عن حركة «أمل» و»حزب الله»؟ فيأتي الجواب: «كل أوان لا يستحي من أوانه… إنتظروا الثلج حتى يذوب عن المرج». وماذا عن التيار الوطني الحر؟ الجواب مقتضب:

 

«لم نسمع ترشيحاً، ولا نلمس جدية حتى الآن».

 

الأكثرية النيابية لا تريد أن تشكّل حكومة من طرف واحد، أو من لون واحد، وتقول انها لن تسير الّا بالتوافق: «فاجأنا الحريري بإخراج نفسه وأنه لن يسمّي احداً، هذا أمر يصعّب ولا يُسَهّل» يقول أكثريون.

 

«ولكن، هل نستسلم، ألا يوجد هناك مرشحون، الطائفة السنية ملأى بهم»؟ يسأل طرف رئاسي.

 

«أشمّ رائحة لعبة خبيثة، وأخشى أنهم عدّلوا مسار المعركة، وقرروا ان يلعبوا معنا لعبة الحشر، بقطعهم الطريق على اي شخصية سنية، لإرغامنا على أن نعود إليهم ونرضخ لشروطهم، ويأخذوا منّا ما لم نُعطه لهم خلال تكليف مصطفى أديب»، يُحذّر أحد البارزين في الاكثرية.

 

«رئيس الجمهورية ينتظر، طار الاسبوع الاول بعد اعتذار اديب، وقد يطير الاسبوع الثاني. ولأنّ عقدة التكليف مستعصية هذه المرّة، لن يقول على جاري عادته في مثل هذه الحالات انه لن ينتظر طويلاً»، يقول عارفون.

 

صديق مشترك بين طرفي الانقسام الداخلي، تبرّع من تلقاء نفسه لاستفسار أصدقائه فخرج بخفيّ حنين، قالوا له في الأكثرية: «المشكلة ليست عندنا، نحن مستعدون للتفاهم والتوافق»، وقالوا له في مكان آخر: «لسنا معنيين، والحريري يكتفي بما قاله في بيانه، ولا كلام لديه يضيفه عليه».

 

بين المنطقين المتناقضين، يخرج الصديق المشترك باستنتاج، ويضع ما سمّاها «نصيحة لوجه الله». أمّا الاستنتاج فهو «انّ الهوّة عميقة وواسعة، بين رافض لأن يقود نفسه بنفسه ومصرّ على أن يقوده غيره، وبين رافض لأن يجعل نفسه معبراً آمناً وليس حقلاً مفخخاً بالالغام والمتفجرات السياسية».

 

أمّا النصيحة فهي: «إتفقوا في ما بينكم اليوم على البارد، أفضل لكم بكثير من أن تجدوا أنفسكم مدفوعين الى الاتفاق غداً على الساخن».

 

الطريف في الأمر أنّ الصديق المشترك استعان بصديق يقدّم نفسه دائماً على أنّه «شخصية وسطيّة»: «دخيلَك خَلّيني بعيد، كلمتي ثقيلة عليهم، فلا الحريري يحبّني، ولا «حزب الله» يطيقني، اتركني إتفرّج من بعيد»، قال الصديق الوسطي. وأضاف مُمازحاً: «شو هيأتك عم تلعب دور عباس ابراهيم؟». وتابع: «أنت تعرف، وأنا أعرف، أنّ المسألة اكبر منّا كلنا، خَلّيها لأصحابها. ماكرون بَلّشها، وماكرون يُنهيها».