تستمر المبادرة الفرنسية على وقع الدخول الأميركي على خط الوضع اللبناني وخصوصاً بعد عملية ترسيم الحدود البرية والبحرية ما بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية ومن خلال دور يضطلع به رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومن الطبيعي بتفويض تام من حزب الله، في وقت أنّ الجميع يؤكد أنّ إيران هي من كان خلف الترسيم بغية عودتها إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية وللتخفيف من تعرّضها للعقوبات، وهذا أيضاً ما يسري على حزب الله، فكان الترسيم بمثابة التخلّص من هذه العقوبات في ظل تفاعل العواصم الغربية واتهاماتها لحزب الله ودوره وتدخّله في بعض الدول العربية والغربية.
في السياق، فإنّ الأهمّ يبقى هل انتهت المبادرة الفرنسية؟ أم أنّها قائمة وبصيغة جديدة؟ مصادر سياسية عليمة تؤكد أن الاتصالات الفرنسية لم تنقطع مع المسؤولين اللبنانيين، وتكشف عن أكثر من اتصال جرى في الأيام الماضية من أجل معاودة الدخول الفرنسي على خط الملف اللبناني، وخصوصاً من أجل تشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن، إذ لا يمكن دعم لبنان أو حصول أي مؤتمر من الدول المانحة قبل أن تكون هناك حكومة إصلاحية تحظى بثقة اللبنانية، ولكن وفق الأجواء التي يتم تداولها فإن حكومة الأخصائيين باتت صعبة المنال مع التدخل الأميركي ورغبة الثنائي الشيعي بأن تُطعَّم الحكومة بوزراء محسوبين على الطبقة السياسية، وهذا ما يرغب فيه أيضاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بمعنى أن تكون الحكومة مطعّمة من سياسيين إن لم يكونوا من الأحزاب والتيارات السياسية إنّما هم من يسمّونهم، وهذا ما سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه في الحكومات السابقة، وبمعنى آخر فإن المبادرة الفرنسية وببنودها التي أقرت في قصر الصنوبر وبإجماع المشاركين أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد باتت نسخة قديمة، على أن يجري تنقيحها والتّركيز على الطابع السياسي التكنوقراطي للحكومة المرتقبة، وهذا ما بات أمراً جلياً، ويلاحظ أن الأمور تتبلور حول الصيغة الحكومية أكثر من الشخصية التي ستُكلَّف، على الرغم من تسريب أسماء باتت معروفة، وقد يكون أحد الأسماء الثلاثة المسربة هو الرئيس المكلف، ومن الطبيعي أن ذلك سيعود إلى توافق دولي وتحديداً فرنسي – أميركي.
ولكن يبقى كما تختم المصادر، أن التساؤلات حول ولادة الحكومة ومتى التكليف والاستشارات، فكل ذلك هو مجمّد في وثلاجة الترقب والانتظار لما ستكون عليه الأوضاع الإقليمية والدولية، وربما بات محسوماً أن حكومة تصريف الأعمال ستبقى إلى حين الانتخابات الرئاسية الأميركية وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه، إنما هناك أكثر من صيغة يتم التداول بها أكان على صعيد التكليف أو التأليف، ويقال إن هذا الموضوع بُحث في الخلوة الرئاسية الجوية بين الرؤساء الثلاثة على هامش زيارتهم للكويت للتعزية بالأمير الراحل، وبالتالي ذلك يبقى رهن التشاور، إنما الكلمة الفصل ستكون خلال أيام مقبلة وربما مع وصول موفدين دوليين إلى لبنان أكان الموفد الأميركي ديفيد شينكر أو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بمعنى أن كل الاحتمالات واردة في هذه الظروف الاستثنائية، وأيضاً المفاجآت قد تحصل في أي توقيت إذا سارت الأمور على ما يرام من خلال التواصل الأميركي – الفرنسي أو عبر الاتصالات الفرنسية مع المسؤولين اللبنانية والتي هي متواصلة، إنّما ليس هناك من أي إقرار حول التكليف أو الاستشارات النيابية الملزمة وسوى ذلك قبل معرفة اتجاه الترسيم الحدودي برياً وبحرياً مع إسرائيل، حيث هناك تداخلات لكل الملفات بعضها ببعض.