IMLebanon

“المبادرة” بعد تنقيحها: مرونة من هنا مقابل توازن من هناك

 

كل من يراجع المسؤولين الفرنسيين، سواء أولئك الذين يشكلون خلية الأزمة التي شكلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أو المحيطين بسيد الاليزيه، لا يجد إجابات واضحة وجلية حول كيفية ترجمة المبادرة الفرنسية في نسختها المنقحة بعدما أثبتت التجربة أنّ المرحلة الأولى انتهت إلى فشل ذريع.

 

لا يتردد الفرنسيون في إبداء انزعاجهم مما آلت إليه مساعيهم بعدما اضطر ماكرون إلى التدخل شخصياً مع المسؤولين اللبنانيين بغية إخراج الأزمة من عنق الزجاجة والشروع في تأليف حكومة مقبولة دولياً ومدعومة محلياً، للبدء في رزمة الاصلاحات التي تعيد لبنان إلى سكّة الاستقرار الاقتصادي والمالي.

 

لكن الرئاسة الفرنسية تلقت ضربة معنوية لا تستهان وهي التي كانت تعتقد أنّ تأليف الحكومة اللبنانية أشبه بـ”شربة مي” سرعان ما ستصير واقعاً، واذ بها تصاب بخيبة أمل رغم كل محاولات الرئيس الفرنسي لنزع الألغام، الأمر الذي دفع به إلى صفوف الانكفاء، أقله خلال الفترة الراهنة حيث تنشغل باريس بالصراع العسكري الدائر بين أذربيجان وأرمينيا.

 

ومع ذلك يشعر المتابعون من اللبنانيين أنّ التخبط في صفوف الفريق الفرنسي المعني بالملف اللبناني، لا يزال يؤجل انطلاقة الجولة الثانية، أو بالأحرى يحول دون تحديد النقطة التي ستبدأ من عندها الجولة المنقّحة، ولهذا يتركون اللبنانيين هذه المرة يقلعون شوكهم بأيديهم، والاتكال على جهودهم في التكليف والتأليف، ولو أنّ باريس لا تزال تؤكد أّنها مستعدة لمساعدة لبنان وفق مشروع الدعم الذي أعلن عنه ماكرون، ولكن هذه المرة على اللبنانيين أن يقوموا بما يمليه عليهم واجبهم الوطني والدستوري.

 

لا بل أكثر من ذلك، يعيد المسؤولون الفرنسيون التأكيد أنّ لجنة مؤتمر دعم لبنان ستعقد اجتماعها في باريس في العشرين من الجاري بمعزل عما اذا تشكلت الحكومة أم لا، لوضع البرنامج الأولي لدعم لبنان، فيما سيعقد مؤتمر سيدر في وقت لاحق ليس ببعيد. فالقفزة التي قامت بها الرئاسة الفرنسية من باريس الى بيروت لا تنمّ فقط عن الرابط التاريخي والمعنوي بين الدولتين، وإنما عن مصالح استراتيجية لن تفرّط بها الرئاسة الفرنسية بسهولة.

 

وحده اللقاء الذي جمع السفير الفرنسي لدى بيروت برونو فوشيه بمسؤول العلاقات العربية والدولية عمار الموسوي في عمق الضاحية الجنوبية، كسر الجمود الحاصل. أبرز ما تسرّب من اللقاء يشير إلى: إعادة التأكيد على رغبة باريس في رعاية مشروع دعم لبنان، واعتراف غير مباشر بأنّ آلية تنفيذ المبادرة شابها اللغط وبعض الأخطاء في التقدير، ورهان على مرونة من جانب “حزب الله” في الجولة الثانية، مقابل سلوك أكثر “توازناً” من الجانب الفرنسي.

 

في هذه الأثناء، لا يزال البحث جارٍ عن “متبرع” من الطائفة السنية قادر على تأمين غطاء أبناء طائفته، وتحديداً رباعي نادي رؤساء الحكومات السابقين، ليخوض جولة جديدة من المشاورات والمفاوضات حول تركيبة الحكومة. في الجولة الأولى، تولى ماكرون التواصل مع المملكة السعودية لتأمين الغطاء للمرشح الذي سيسميه الرباعي. وبالفعل تقول المعلومات إنّ الرياض هي التي طلبت من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تغطية من يتفقون عليه ليكون مرشح الرباعي السني، ولكن من دون ان تغفل الرياض إشارتها إلى أنّها غير متحمسة أصلاً لمندرجات المبادرة الفرنسية.

 

وبانتظار أن تعيد باريس تحريك مولدات مبادرتها، سارع الحريري إلى تسطير بيان خروجه من السباق. المفارقة تتجلى في كونه يحرص في موازاة هذا الاعلان الاستباقي، على إبلاغ الديبلوماسيين الذين يلتقيهم أنّه الأقوى سنياً ورئيس أكبر تكتل نيابي سني، بمعنى آخر، “لا رئيس للحكومة إلا أنا”.

 

فعلياً، كل المؤشرات تدل على أنّه لن يسمح لأي سنيّ غيره بالجلوس على كرسي السراي، لكنه في الوقت نفسه يخشى مواجهة الرياض وفعلها من جديد بلا غطاء سعودي. ولذا لا يزال يراهن على محاولة جديدة تقودها باريس لتمهيد طريق عودته. أما غير ذلك، فلن يتخلى عن حقه بـ”الأقدمية” على “رفاق النادي”.

 

ولهذا ثمة من يعتقد أنّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي “موهوم” بقدرته على اختراق الحواجز التي تحول دون استعادة الحريري لقب “الدولة”، لتؤول إليه من جديد. الموانع أكثر من نقاط القوة التي في جيبه. وأهمها رفض رئيس “تيار المستقبل” لهذه التمريرة التي قد تكون قاضية، وسلوك القطب الشمالي “المتقلّب”.