أسقط الغاضبون دفاعاً عن الإسلام المبادرة الفرنسية بالضربة القاضية، إعتبروا أنّ صاحبها ايمانويل ماكرون أطلق النار عليها بتصريحاته المسيئة للنبي والمسلمين.
أكثر من ذلك، أعلن رئيس “هيئة أصحاب الحق” الشيخ نظير جشي رفضه أي مساعدات من هذا النظام الكافر المُتصهيِن، و”بهدل” ماكرون بقوله إنّ “اللبنانيين استقبلوك بالأحضان لأنّهم وجدوا فيكم خلاصاً، أمّا اليوم، إن لم تعتذر للمسلمين وتمنع الإساءة لنبيهم فإنّنا سنرفض إستقبالك في وطننا”.
بالتالي، إختصر سماحته الشعب اللبناني، وصادر الموقف الرسمي للدولة العليّة، مُقفلاً الباب أمام كل ما يأتينا من عدوّ الإسلام، وأهدى ذريعة إلى من يرغب بالتحرّر من إلتزاماته وتخريب تشكيل حكومة إنقاذية وِفق الشروط التي طرحتها المبادرة، لأنّها في الأصل تتعارض مع مصالحه وتُضرّ بمكتسباته، وأطاح بالإهتمام الدولي بالوضع اللبناني ومحاولة رسم خريطة طريق الإنقاذ. فالتحدّي أكبر بكثير من إنهيار إقتصادي وإجتماعي، المسألة تتعّلق بالكرامة والإيمان.. وهيهات منّا الذلّة كُرمى لعيون ماكرون ومن لفَّ لفّهُ..
وللشيخ جشي تاريخ حافل بالنضال، فهو كان قد تقدّم بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية ضدّ السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا وذلك “سنداً لجرائم إنشاء شبكات تجسّسية تعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، والتحريض وإثارة النعرات الطائفية وتهديد السلم الأهلي وإهانة اللبنانيين”.
كذلك كان قد وجّه تهمة العمالة الى شخصيات تدور في الفلك المعادي للمُمانعة ومِحورها. وها هو اليوم ينبري ليصنّف من يجد أعذاراً لمواقف ماكرون ويؤيّد العلمانية بصيغتها الفرنسية، بأنّه متورّط ومتواطئ مع اليهود الصهاينة الذين يسيطرون عليها.
بالتالي، هو من الأشاوس المعتمدين في الملمّات. ومثله كثيرون في مواقف ومقامات متعدّدة ترتبط بمعادلة البحص، الحيوي دوره، ليسند خوابي الممانعة عندما تهزّها الرياح الإقليمية والدولية. ويفرض أجواء إعلامية مبنية على ما تشاء هذه الممانعة، بمعزل عن الدقّة والشفافية والموضوعية.
ولا سبب لإستغراب الأسلوب الممانع في استثمار هذه الفرصة التي هبطت من السماء، لتخفّف الضغط الدولي نتيجة تداعيات جريمة إنفجار مرفأ بيروت، وتحديداً بعدما أعطى المِحور الممانع الضوء الأخضر لإعلان “إطار ترسيم الحدود البحرية”، على أن يعقد المفاوضات عندما يستطيع ويرغب، ومن ثمّ الإيحاء بقبول تشكيل “حكومة مهمّة” يتولّى حقائبها إختصاصيون.
فالإستيعاب سِمة مكرّسة للممانعين بعد مثل هذه الجريمة، على ما بيّنته مرحلة ما بعد جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصولاً الى تخفيف الإرتدادات، ومن ثمّ الإنقلاب على المواقف السابقة، والتشدّد في المواقف اللاحقة.
فكلّ هذه الإستراتيجية سبق وثبَّتت حضورها وفعاليتها على إمتداد عمليات تشكيل الحكومات المتلاحقة، منذ سيطر المِحور الممانع على مرافق الدولة، وتحديداً بعد تفاهم “مار مخايل” مع “التيار الوطني الحر”، ما يسهّل توزيع أدوار العرقلة. وكان على أيّ رئيس مكلّف أن يتجرّع هذه الكأس المرّة، ويجتاز جلجلة التطويع التي كانت دروبها تؤدّي أكثر فأكثر الى غرق لبنان في مخطّط تهديم مقوّمات الدولة وأسسها.
ولا يجد المِحور الممانع اليوم سبباً جوهرياً ليغيِّر أسلوبه. وكلّ وسائل الإستثمار لها فتاويها التي تجعل تكفير المبادرة الفرنسية واجباً شرعياً وِفق مستلزمات التحدّيات الإقليمية والدولية المتسارعة.
وعلى مهلها الحكومة لتتشكّل.. وإذا تشكّلت، فلتكن وِفق ما يناسب أصحاب المصالح.