Site icon IMLebanon

تضييع الفرصة الفرنسية وتزوير كل شيء

 

ليس جديداً أن تمارس التركيبة السياسية لعبة الخيال والأوهام لتغطية الواقع. الجديد هو ان الواقع في لبنان صار أغرب من الخيال والأوهام. جمهورية بلا جمهور، لكن على مسرحها ممثلين يتصرف كل منهم كأنه امبراطور. حكومة عصية على التأليف بحجة الحرص على إرضاء النافذين ومن يلوذون بهم في الداخل، والانتظار الخرافي لما يحدث في الخارج وخصوصاً الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكن من دون التفات الى وضع البلد والناس المأسوي وقراءة التطورات في المنطقة والعالم. وإستمرار لما يبدو كأن الرئيس دونالد ترامب تعلمه من المافيا اللبنانية، وهو التزوير تحت عنوان “الحقائق البديلة” التي هي أكاذيب مكشوفة.

 

ولا حدود لما نراه من تزوير و”حقائق بديلة” محمية بقوة المصالح وجرأة الوقاحة. تزوير مفهوم الوطنية، بحيث صار مربوطاً بالولاء لمحاور إقليمية ودولية. تزوير الأزمة النقدية والمالية والاقتصادية والتلاعب بأسبابها، مع ابقاء المسؤولين عنها في السلطة وتحميل الكلفة للضحايا. تزوير المبادرة الفرنسية التي قدمها الرئيس ايمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان من الانهيار. تزوير هوية الاختصاصيين المستقلين “الذين سيتولون الحقائب الوزارية، بحيث صارت المحاصصة: على السكين يا بطيخ”.

 

وتزوير الفرصة المفتوحة بوساطة اميركية ورعاية دولية للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، من خلال الإدعاء بأمرين: أولهما أن التفاوض هو لضمان مصالح أميركا التي اختارت التوقيت، وبالتالي مصلحة اسرائيل. وثانيهما أن فتح باب التفاوض بعد عشر سنين من العمل على الملف عبر واشنطن هو تنازل من “الثنائي الشيعي” وايران بتسليف أميركا خطوة ايجابية، مع ان الترسيم مصلحة وطنية لبنانية في استثمار الثروة الغازية في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

 

وقمة المفارقات ان نطالب العالم كله بإنقاذ لبنان، ونترك التركيبة الحاكمة تدفعه للانهيار. ان نرى المساعدات تنهمر علينا من كل مكان بعد كارثة الإنفجار الرهيب الذي دمّر المرفأ وبيروت، ونجد ماكرون ومسؤولين من عواصم عدة يتفقدون الضحايا، حيث لا يجرؤ المسؤولون اللبنانيون على رؤية الضحايا، ولا يقدم الذين أثروا من الكوارث والسطو على المال العام والخاص شيئاً مما ربحوه او سرقوه للتعويض عن الأضرار.

 

ولا مجال للمكابرة. الفرصة الفرنسية ضاعت بجهود المافيا وخوفها من اي اصلاح على مصالحها. والفرصة الاميركية سمك في بحر. والحكومة العتيدة، اذا جرى تأليفها في وقت قصير او طويل، لن تكون إلا حكومة ما قبل ثورة 17 تشرين الاول، حكومة الثورة المضادة، وأسوأ من حكومة الدكتور حسان دياب.

 

يقول المثل الفرنسي: “بمقدار ما تتغير الأشياء بمقدار ما تبقى كما هي”. لكن الواقع اللبناني أخطر: الجوع الى المال والسلطة لا يتغير ولو تبدلت الأسماء، والأشياء تتغير نحو المزيد من التردي.